تفريغ محاضرة جامعة اسيوط الثانية للشيخ ابي إسحاق الحويني
جامعة أسيوط
للشيخ أبي إسحاق الحويني إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعين به ونستغفره ونعوذ بالله من شرر أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهد الله تعالى فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله .
أما بعد.
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وأحسن الهدي هدي محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد .
اغتباط الشيخ حفظه الله بلقاء الطلبة
فأهلا ومرحبًا بكم أبنائي طلبة جامعة أسيوط وأنا أسجل اغتباطي وفرحي بمصافحتي لوجوهكم، وكانت كما قال فضيلة الشيخ محمد كانت أمنية غالية عندي أن ألتقي بشباب الصعيد لعلمي بانتظام المنظومة الأخلاقية عندهم ، وأنهم كانوا مؤهلين ولازالوا لحمل شعبة هذا الدين لما يمتازون به من الرجولة والحمية ، فالحمد لله الذي أقر عيني برؤيتكم وأقلو لكم ما صح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من طرقٍ عن جماعة من الصحابة أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - قال:« إن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبي للغرباء » فعلمنا من هذا الحديث أن الإسلام بدأ غريبًا ثم قوي وكانت له دولة هذه الدولة كانت تغيب الشمس فيها فأعلمنا أنه سيأتي علي الناس زمان يعانون من الغربة التي كان يعاني منها الغرباء الأولون ، والغربة الثانية تكررت كثيرًا في حياة المسلمين ولذلك كل زمنٍ فيه غربة نسميه الغربة الثانية ، لأن الغربة الأولي كانت للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأصحابه ، والغربة الثانية لكل من جاء بعد ذلك .
المراد بالغربة
فنحن نعيش ولازلنا الغربة الثانية ، والغربة: ألا تجد لك مشاكلًا ولا تجد لك نظيرًا كثير من الشباب في أسرته هو الوحيد الملتزم ويُقَاوم من قبل أبيه وأمه وأخوته وجيرانه ومن قبل الجامعة والمدرسة ومن قبل العمل وكم من غريب حرم فرصة العمل بسبب أنه يصلي أو أنه أعفى لحيته كان هذا كفيلًا بأن يحرم مما له الحق فيه كثير من الشباب هاجر وترك البلد وحُرم وحُرمت البلد من مواهب كثيرة حتى أن بعض التقارير التي كانت تكتب أن فلانًا يصلي الفجر وأن فلانًا امرأته منتقبة كان هذا كفيلًا بأن يترك عمله حتى وإن كان مميزًا فيه، الغربة الأولي هي الأصل التي ينبغي أن نقيس عليه كل غربة أتت بعد ذلك لأنها غربة مثالية .
الغرباء الأولون كثيرون جدًا :
سوف أتناول سيرة غريبٍ منهم ولكن قبل أن أذكر سيرته أو شيئًا من سيرتهِ أذكر قول الله - عز وجل- :﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ ﴾(الأعراف:169) ، الغرباء الأولون قاتلوا علي تنزيل الوحي وقاتلوا علي تأويله بخلاف الذين جاءوا بعد ذلك ، تعرف الرجل الذي جمع مالًا كثيرًا ثم تركه لأحد أبنائه كميراث فإن هذا الولد يبدد ما جمعه والده ولا تطرف عينه أبدًا ، أما الذي جمع المال وتعب عليه فإنه يعرف قيمته.
تعامل أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم – مع الوحي
كذلك أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تعاملوا مع الوحي المنزَّل معاملة راقية وعلموا ما هو المطلوب منهم وترجم هذا أبو عبدالرحمن السُّلمي - رحمه الله - فقد صح عنه أنه قال: حدثنا الذين كانوا يقرؤوننا القرآن أبو عبدالرحمن ا السُّلمي هذا قرأ القرآن علي عثمان وعلي عبدالله بن مسعود وأبي بن كعب وهذه الطبقة قال: حدثنا الذين كانوا يقرؤوننا القرآن أنهم كانوا يتعلمون العشر آيات فلا يتجاوزوهن حتى يعملوا بهن قال: فتعلمنا العلم والعمل جميعًا .
أهم ما يميز الجيل الأول من الغرباء.
وهذا هو الذي ميز الجيل الأول ميز الغرباء الأولين إذا نزلت آية من القرآن مثلًا في مجلس النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يحفظها من جلس ثم ينقلب فيقرأ القرآن علي امرأته وأولاده ويترجَم هذا إلي عمل ، بل لعله من الغرائب أن عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - ظل يحفظ سورة البقرة عشر سنين كوامل وقد صح هذا عن عمر عشر سنين كوامل يحفظ سور البقرة ، نحن عندنا طفل سنه سبع سنوات أو ثماني سنوات أو تسع سنوات يحفظ القرآن من أوله إلي آخره ، ويحفظه حفظ متقن حتى برقم الآية وأنا رأيت هذا ولعلكم رأيتم مثل هذا أيضًا يقول لي مثلًا: قل لي ما هي الآية رقم ستين من سورة الأعراف يأتي بالآية الآية رقم سبعين من سورة الأنفال مثلًا سورة التوبة يقرأ الآية بالرقم مجرد أن يقول رقم كذا يقرأها هذا الطفل الصغير، ما الذي أخرّ عمر بن الخطاب - رضى الله عنه- حتى ظل عشر سنين يحفظ سورة البقرة ؟ الذي أخره هو العمل ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ﴾(البقرة:278) يقف فإذا حقق التقوى في أقواله وأفعاله انتقل إلي الآية بعدها ، لذلك لم يكن غريبًا علي الصحابة أن يسعدوا بالإسلام لأنه كان كالنَفَس بالنسبة لهم أنه لمن المحزن حقًا أن يموت الواحد منا ولم يسعد بهذا الإسلام ، وكثير من المسلمين الآن كثير من المقصرين حتى في الصلوات أو يصلي مثلًا لكن يجد مشقة في تنفيذ أو في الاستمتاع بأحكام الإسلام وآدابه ، الصحابة لم يكونوا كذلك لأنهم كانوا يترجمون الإسلام دائمًا وفي كل وقت حتى صار العمل سجية عندهم كالنَفَس بالنسبة لنا ، فهذا هو الذي جعل الصحابة الأولين يفترقون عمن دونهم .
عبد الله ابن عمر ومدي امتثاله لسنة النبي
عبد الله بن عمر: مثلًا كما في صحيح مسلم وغيره قال يومًا وهو في وسط أبنائه: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول:« لا تمنعوا إماء الله مساجد الله » فقال أحد أبنائه: والله لنمنعهن يتخذنه دَغَلا ، الدَغَل: مجموعة من الأشجار الملتفة مثل الغابة ، يريد بن عبدالله بن عمر أن يقول: ليست كل امرأة تذهب إلي المسجد تقصد المسجد تريد أن تفعل موعد مع امرأة أخري تلتقي فتفعل حجة الصلاة وتخرج هو يريد أن يقول هذا ولا يقصد أن يعارض النبي - عليه الصلاة والسلام - لأنه لا يوجد مسلم جيد الإسلام لاسيما في العصور الأولي من الممكن أن يعارض قول النبي - عليه الصلاة والسلام - أبدًا ، فعندما سمع عبدالله بن عمر ابنه يقول هذا كان في يده حصيات فقذفه بها ، وهذه الرواية ليست رواية مسلم وحدها إنما هي روايات وأنا من عادتي أعزو الحديث إلي أصح كتابٍ ثم أتي بألفاظ الحديث في الكتب الأخرى وأنا أنبه وهذه طريقتي من قديم ، لأن بعض الأخوة المجتهدين في طلب العلم ربما راجع الرواية في صحيح مسلم فلا يجد ما أقول فيقول: أنني وهِمتُ في عزوي هذا اللفظ إلي صحيح مسلم لكن هذه طريقتي التي تعودت عليها أن أجمع طرق الحديث جميعًا وألفاظه وبعد ذلك أخلطها بعضها ببعض وأكتفي بالعزو إلي أصح كتابٍ في الكتب التي أوردت هذا الحديث فكان في يد أبيه عبدالله بن عمر حصى فحصبه بها وطرده من مجلسهِ و قال: أقول لك: قال - رسول الله_ صلى الله عليه وسلم-:« لا تمنعوا إماء الله مساجد الله » وتقول: لنمنعهن ؟ وأبى عبد الله بن عمر أن يدخل عليه هذا الولد حتى مات ، هذه كانت طبيعة الجيل الأول مع أن الذي قاله ابن عبدالله بن عمر يتوافق مع قول عائشة - رضى الله عنها - في صحيح البخاري قالت: لو رأى رسول الله - صلي الله عليه وسلم - ما أحدثته النساء لمنعهن المساجد ، أليس هذا الكلام يلتقي مع كلام ابن عبدالله بن عمر ؟ حتى ولو بوجهٍ ما قالته عائشة - رضى الله عنها - ، لكن كَبُرَ علي عبد الله بن عمر أن يعارض النبي - صلي الله عليه وسلم - ولو بغير قصد لأن هذا ينافي الأدب حتى لو لم يقصد إطلاقًا وأنا أعتقد في قرارة نفسي أن ابن عبدالله بن عمر ما قصد أن يعارض النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أبدًا ، لكن كانت حرمته - صلي الله عليه وسلم - كاملة لدي هؤلاء أنا
ما كان يميز الجيل الأول.
هو حفظ حرمة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نحن لو حفظنا حرمته - عليه الصلاة والسلام - وحرمته ميتًا كحرمته حيًا لا فرق أبدًا أنا الآن عندما أقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا ينبغي لأحدٍ أن يتكلم أثناء نقلي لكلامه ولا أن يرفع صوته ، لأن هذا داخل تحت قوله - تبارك وتعالي -:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ﴾(الحجرات:2)، وقد طبق هذا عمليًا عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - فيما رواه البخاري في صحيحه عن السائب بن يزيد - رضى الله عنه - وهو صحابي كان صغير السن يوم .........فقال: أأتني بهذين وكان في المسجد رجلان يتكلمان بصوتٍ عالٍ قال: أأتني بهذين فلما جاءا قال لهما: من أين أنتما ؟ فقالا: نحن من الطائف فقال: ............فعمر يتأول الآية ﴿لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ﴾ ، أي بلغ من حرمتهِ وتمام حشمتهِ ألا يرفع الصوت فوق صوته فضلًا عن أن يعارض .
ثابت بن قيس - رضى الله عنه – من أهل الجنة
عندما نزلت هذه الآية ﴿لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ﴾ التزم بيته وجعل يبكي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه يومًَا:« أين ثابت بن قيس ؟ » ، فقال سعد بن عُبادة: يا رسول الله هو جاري ولا أعلم له شَكَاه أي لا أعلم أنه مريض فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:« التمس لي خبره ، لماذا غاب ؟ » ذهب سعد بن عبادة طرق الباب خرج إليه ثابت بن قيس سليمًا أي ليس مريضًا ولكنه يبكي قال: ما أخرك ؟ إن النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأل عنك ، فقال له: إني من أهل النار ، قال له: ولما ؟ قال: إني كنت أرفع صوتي فوق صوت النبي- صلى الله عليه وسلم - لأن ثابت بن قيس كان صوته عاليًا بطبعه عندما كان يتكلم كان صوته عالي هذا طبع عنده قال: إني كنت أرفع صوتي فأنا من أهل النار ، فرجع سعد بن عبادة بهذا الكلام وقاله للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له:« قل له بل هو من أهل الجنة » ، يقول أنس بن مالك راوي هذا الحديث: فلقد كان يمشي بيننا ونحن نعلم أنه من أهل الجنة ، أهمية لزوم السنة وخطورة المخالفة
فأيهما أعظم أيها الأخوة الكرام أن يرفع الرجل صوته مجرد رفعٍ علي صوت النبي أم يجعل صوت غيره من القوانين ومن الأحكام ومن التشريعات فوق تشريعه - صلى الله عليه وسلم - وفوق كلامه، أيهما أعظم ؟ ، وأيهما أخطر أن ينصرف عن سنته إلي كلام غيره أم أن يلزم سنته ؟ لاشك ولا ريب أن الذين خالفوا سنته ووضعوا أحكامًا تخالف أحكامه أعظم جُرمًا من الذي يرفع صوته مجرد رفعٍ فوق صوت النبي - صلي الله عليه وآله وسلم - .أم يجعل صوت غيره من القوانين ومن الأحكام ومن التشريعات فوق تشريعه- صلى الله عليه وسلم- وفوق كلامه، أيهما أعظم ؟ ، وأيهما أخطر أن ينصرف عن سنته إلي كلام غيره أم أن يلزم سنته ؟ ، لاشك ولا ريب أن الذين خالفوا سنته ووضعوا أحكامًا تخالف أحكامه أعظم جرمًا من الذي يرفع صوته مجرد رفعٍ فوق صوت النبي- صلي الله عليه وآله وسلم - .
من هم الغرباء الأولين؟
هم الذين سُفكِت دماءهم حتى يصلك هذا الإسلام ، ما وصلك الإسلام إلا علي جثثهم وشربت الأرض من دمائهم لكننا ورثنا الإسلام ولم نقاتل عليه مثلما قاتل الأولون لذلك هان على بعض المسلمين أن يضعوا الحديث علي النبي - صلي الله عيه وسلم - يكذبون عليه وأن يحرفوا آيات القرآن ويسمونه تأويلًا وهو تحريف من جنس تحريف اليهود هان عليهم مثل هذا ، فالذين وضعوا الأحاديث علي النبي - صلي الله عليه وسلم - بعضهم كان يتصور أنه سيؤجر على كذبه علي النبي ، أنظر وصل اختلاط الدماء إلى هذا الحد
من هو نوح بن مريم؟
نوح بن أبي مريم: هذا الذي وضع أحاديث فضائل سور القرآن وآياته:
لم يصح عن النبي - صلي الله عليه وسلم - في فضل سور القرآن أو بعض آياته إلا بضعة أحاديث لا تصل إلي ثلاثين حديثًا ، إذا فتحت كتابًا من كتب التفسير التي لا يعلم أصحابها صحيحًا ولا ضعيفًا ويظنون أن كل مُدَوَرٍ رغيفا وهم غالب أهل التفسير ، غالب الذين تصدوا لتفسير القرآن لا يعرفون الصحيح من الضعيف باستثناء الحافظ بن كثير- رحمه الله تعالي - ، ولذلك كان تفسيره أفضل التفاسير المتأخرة لأنه كان علي إلمامٍ بعلوم الحديث ، وإن كان منهجه غامضًا ، وأرجو أن تسمحوا لي بدقيقة واحدة أبين لكم منهج ابن كثيرٍ في تفسيره حتى تنكشف الصورة لديكم ، لأنه قد يورد الحديث الضعيف ولا ينبه عليه .
معظم كتب التفسير مثل تفسير النسفي ، تفسير أبي السعود ، تفسير الفخر الرازي ، تفسير الزمخشري ، مثلًا تفسير الخازن تقريبًا معظم التفاسير باستثناء ابن كثير وقبله تفسير البغوي صاحب كتاب شرح السنة وبعض التفاسير الخفيفة التي كانت تهتم إلي حد كبير بصحيح الحديث من ضعيفه ، تجد بالذات في تفسير أبي السعود بعد كل سورة لابد أن تجد حديثًا في فضل السورة ، سورة الواقعة مثلًا يقول لك: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:« من قرأ سورة الواقعة كل صباحٍ لم تصبه فاقة حتى يصبح » كذب لا يصح ، مثلًا بعد سورة الماعون « من قرأ سورة الماعون غفر الله له أو بني الله له قصرًا في الجنة بشرط أداء دينه » ، وتجد أحاديث كثيرة جدًا في هذا.
الذي فعل المنظومة هذه كلها ووضع هذه الأحاديث علي النبي- صلى الله عليه وسلم - رجل يُقال له: نوح بن أبي مريم ، كان يسهر عامة ليله يكذب علي النبي- صلى الله عليه وسلم - يؤلف أحاديث علي كل سورة ، فقيل له في ذلك: لماذا تفعل مثل هذا ؟ قال: رأيت الناس انشغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي ابن إسحاق عن القرآن فوضعت هذه حسبة لله ، ماذا يعني ؟ يعني يريد أن يؤجر ، هذا يذكرني بالرجل محترف القتل الذي كان الناس يؤجرونه لقاء مبلغ معلوم ليقتل فلان ، يقول له: أنا أريدك أن تقتل فلان وأعطيك مبلغ ، كم تأخذ ؟ يقول: أخذ مبلغ معين ، وفي يومٍ من الأيام جاءته امرأة قتل زوجها ، فقالت له: إن فلان قتل زوجي وأنا أريدك أن تقتله ، قال لها: كم تدفعي ؟ بكت المرأة، وقالت: إني أنفق علي أيتام فرق قلب القاتل وقال: سأقتله لوجه الله، أي بدون مقابل.
فنوح بن أبي مريم فعل نفس القصة أي يكذب علي النبي - صلي الله عليه وسلم - طيلة ليله وبعد ذلك يسأل يقول: وضعت هذه حسبة لله ، ونوح بن أبي مريم هذا يطلق عليه نوح الجامع ، علق ابن حبان - رحمه الله - علي هذا اللقب وهو كلمة الجامع لأنه كان ملمًا بكثير جدًا من العلوم وكان رجلًا ذا قدم في العلوم أي في علوم الإسلام فقه ، وحديث وتفسير ومغازي ، وسير وغير ذلك ، علق ابن حبان- رحمه الله- علي هذا اللقب نوح الجامع فقال: جمع كل شيء إلا الصدق ، هذا بسبب أنه يكذب علي النبي - صلي الله عليه وسلم - عندما تتأمل إلي هذه الصورة وتنظر إلي صورة الصحابة الأوائل يا بعد ما بينهما ، هذا بعد ما بين السماء السابعة والأرض السابعة بينهما .
الصحابة ما كانوا يقبلون أي انحراف
صبيل العراقي كان رجلًا في أجناد المسلين أي جندي من أجناد المسلمين وكان أبو موسي الأشعري هو قائد الجيش فجعل يسأل الجنود الذين معه ما معنى ﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا * فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا﴾(الذاريات:1- 2) ، ما معناها ؟ فأبلغ فيه أحدهم وصل التقرير لأبي موسي الأشعري أن هناك من يسأل عن معنى الآية؟ ﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا * فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا* فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا ﴾(الذاريات:1- 2- 3) ، فأبو موسي الأشعري قائد الجيش قال: لا ، هذه مسألته خطيرة ، فكتب إلي عمر يسأله أن هناك رجلا في أجناد المسلمين يسأل عن ﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا ﴾ ، ماذا نفعل فيه ؟ ، طبعًا بعض الجلوس سيفهم خطأ ، ما بها أن يسأل عن تفسير آيات القرآن ما هو لابد أن يسأل لابد أن يفهم القرآن ، لكن ستعلمون المغزى بعد ذلك .
فأرسل إلي عمر أنه يوجد رجل في أجناد المسلمين يقول: كذا وكذا فقال عمر: أرسلوه لي علي إيكاف بعير ،كله خشب لكي يأتي لي عظمه مكسور هذا أول العقوبة ، أول ما جاء هذا العراقي إلي عمر كان مجهز له رطائب من جريد النخل الأخضر ،فعندما رآه قال: أنت الذي تسأل عن محدثة ، وضربه حتى أدمى ظهره أي ظهره أتي بالدم فتركه حتى برأ ، ثم أتي به قال: أنت الذي تسأل عن محدثة وضربه حتى أدمى ظهره وتركه حتى برأ ظهره وأتي به مرة ثانية فهم أن يضربه ، فقال له: يا أمير المؤمنين إن كنت تريد أن تقتلني فاقتلني قتلًا جميلًا ، وإن كنت تريد أن تداويني فقد والله برأت ،فأرسل به إلي الأجناد وكتب كتابًا إلي أبي موسي ألا يكلمه أحد أي العقوبة لم تنتهي بعد فشق ذلك علي صبيل العراقي وثقل عليه أن يهجره المسلمون فشكا هذا إلي أبي موسي .
فكتب أبو موسي إلي عمر أن قد حسنت توبته فأذن للمسلمين بكلامه، ما الإشكال في سؤاله عن معنى الآية؟﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا ﴾ أبين لك صنيع عمر بحكاية وردت عن عمر نفسه ، وهذه الحكاية رواها البخاري في صحيحه وأحمد وغيرهما ورواية أحمد أشبع ، أي أوضح إنما البخاري روايته مختصرة ، هذه الحكاية يرويها أنس بن مالكٍ - رضى الله عنه - قال: صعد عمر المنبر يومًا وفي ثيابه سبعة عشر رقعة ، فقال: ﴿ وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ﴾(عبس:31) هذه الفاكهة علمناها ، فما الأب ؟ عمر يكلم نفسه بصوتٍ عالٍ أمام الجماهير أو أمام الجلوس الذين يجلسون أمامه ، قال: هذه الفاكهة علمناها ، فما الأب ؟ ثم سكت قليلًا ثم قال يكلم نفسه: إن هذا لهو التكلف يا عمر، وما عليك ألا تدري؟ ، لماذا تسأل عن الأب ؟ مع أن الأب في لغة العرب هو العشب، لكن عمر ما كان يسأل عن معنى كلمة الأب كتفسير، لا، كأنه يطلب ما تحت ذلك، ما أصل الأب ؟أي يريد شيئًا زائدًا فوق مجرد التفسير العادي التفسير اللغوي ، كان عمر يفعل ذلك حتى يحفظ القرآن من التحريف ،كان هذا أصل هدف عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - ، وكان شديد الحفاوة بحفظ القرآن حتى أنه قال يومًا: (سيأتي بعدنا أقوام يكذبون بالرجم ويكذبون بأناس خرجوا من النار وقد امتحشوا أي تفحموا ، ولولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها علي حاشية المصحف )، خشي أن يختلط كلامه بالقرآن وكانوا حديث عهد بالقرآن والقراء كانوا قليلين والكتبة كانوا قليلين فيهم ، فكل شيء يمس القرآن من قريب أو بعيد كان عمر يدفعه دفعًا شديدًا .
حكاية قرظة بن كعب
وهناك حكاية رواها الإمام الدارمي في مقدمة السنن عن قرظة بن كعب قال: أرسلني عمر مع نفرٍ من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم - إلي العراق لنُعلِّم الناس ، فمشي معنا إلي صِرار ، صِرار هو اسم لعين ماء مثل بدر في الطريق قال: فلما وصلنا إلي صِرار جعل عمر ينفض التراب عن قدميه ، ثم قال لنا: أتدري لما مشيت معكم ؟ قالوا: لأننا أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم - ولنا عليك من الحق قال لهم: لا ، ليس هذا هو الذي أخرجني هذه المرحلة من الطريق معكم إنكم تأتون قومًا لهم دوي بالقرآن ، (والدوي) صوت النحل أو الضوضاء التي تكون حول الإنسان يقال لهذا الصوت: دوي ، يشير إلي أن القوم الذين سيأتونهم يقرؤون القرآن دائمًا دائمًا وطبعًا الإنسان عندما يقرأ القرآن يكون صوته عالي فعندما تختلط الأصوات يكون مثل الدوي يشير إلي اهتمام هؤلاء بالقرآن اهتمامًا بالغًا .
قال: (إنكم تأتون قومًا لهم دوي بالقرآن فلا تصدوهم عن القرآن بالحديث،) كيف ذلك هل الحديث المقصود به كلام النبي- عليه الصلاة والسلام - فكيف يقول عمر بن الخطاب: (لا تصدوهم عن القرآن بالحديث،) فما الذي سيعلمونه للناس ؟ إلا أن يقولوا لهم: قال النبي- صلي الله عليه وسلم - كذا وكذا وكَذا لأنه هو المبين لكلام الله ، إذا كان القرآن فهم يقرؤون القرآن ولا يحتاجون إلي أحد يعلمهم التجويد أو غير ذلك ، مات بقي إلا أن يقولوا ما عندهم ما سمعوه من النبي- صلي الله عليه وسلم - ، فكيف ينهاهم عمر عن الحديث ؟ اسمع إلى بقية كلام عمر ، قال: (لا تصدوهم عن القرءان بالحديث واعلموا أن الوضوء ثنتان وأسبغ الوضوء ثلاث ) ماذا فهمنا من كلام عمر ؟ فهمنا أن كلمة لا تصدوهم عن القرءان بالحديث المقصود هو الحكايات عن شمائل النبي وأوصافه وأفعاله ، عن سيرته عمومًا .
لكن قال: (إنما أرسلتكم لتعلموهم الحلال والحرام وضرب مثلًا لذلك فقال: الوضوء ثنتان وأسبغ الوضوء ثلاث )، يريد أن يقول لهم هؤلاء الناس كلهم يحبون النبي- صلي الله عليه وسلم – وأنتم أصحاب النبي- صلي الله عليه وسلم - ، فأول ما يراك أحد ويريد أن يسأل عن حبيبه فكيف يسأل عنه ؟ يسأل عن أدق أموره وهذا هو الذي يبن حقيقة الصحبة ، لأن الذي يعرفه الناس عن رجل معين ليس لك فضل في قربه ولا صحبته ، كل الناس يعرفون الذي تعرفه ، لكن إذا انفردت عنهم بأشياء دقيقة لا يعلمها عامة الناس يكون عندك نوع من الاغتباط أنك تعلم ما لا يعلمون .
فهؤلاء ناس يحبون النبي- صلي الله عليه وسلم – فأول ما يجدون الصحابة ماذا سيألون عنه ، يقول لنا والله صف لنا وجهه كيف هو يقول وجه كما سئل جابر بن سمرة عن وجه النبي- صلي الله عليه وسلم – أكان كالسيف ؟ قال لهم: لا كان كالقمر ، لو أنا فسرت لكم التفسير ستتعجبون ، أنتم فهمتم السيف أي العنف والقمر أي الجمال والحلاوة لا ، هو يسألوه وجهه كان طويل ولا مستدير ، فهو يريد أن يقول لهم وجهه مستدير وليس طويل ، لذلك لما سألوه أوجهه كان كالسيف ، لأن السيف طويل ، فقال لهم: لا بل كان كالقمر وجهه مستدير ، وهذا هو المقصود بالتفسير ، وإن كان جابر بن سمره نفسه الذي خرج يومًا من الأيام ليعقد مقارنة بين وجه النبي- صلي الله عليه وسلم – وبين القمر الذي في السماء .
شدة حبة الصحابة رضوان الله عليهم للنبي صلي الله عليه وسلم
فقال: خرجت في ليلة قمراء إضحيان ، وإضحيان أي القمر كان مكتملًا قال: فجعلت أنظر إلى القمر مرة وإلى وجه النبي- صلي الله عليه وسلم – مرة فلكان في عيني أجمل من القمر ، وهذا تعبير محب ، فعمر خشي من شدة حب هؤلاء للنبي- صلي الله عليه وسلم – وأنهم سيسألون عن كل شيء في حياته ، كم كان طوله وكم كان شعره ؟ والصحابة النبي- صلي الله عليه وسلم – كان محور ارتكاز اهتمامهم ، كل شيء نقلوها عن النبي- صلي الله عليه وسلم – لدرجة أن أنس بن مالك يقول لما سألوه عن شيب النبي- صلي الله عليه وسلم - ، هل شاب وابيضت لحيته ، قال:لا لم يكن في لحيته إلا سبع عشرة شعرة بيضاء ، فبالله عليك كيف يعد هذه السبعة عشر ، إلا إذا جلس وأخذ يعد واحد ، اثنين ، ثلاثة ، أربعة ، خمسة وممكن النبي- صلي الله عليه وسلم – يلتفت يمين أو شمال ويبدأ يعد من الأول ، وممكن لا يستطيع أن يعد والنبي- صلي الله عليه وسلم - يقوم من مجلسه ، الذي يعد عدد شعرات النبي .
خباب بن الأرث يقولون له: أكان النبي- صلي الله عليه وسلم - يقرأ في الظهر والعصر ؟ يقرأ سورة بعد الفاتحة ، قال: نعم ، قالوا له: وكيف عرفت ذلك وصلاة العصر سرية وصلاة الظهر سرية ؟ قال: كنا نعرف ذلك باضطراب لحيته ، تجد لحيته تهتز وهو يقرأ ، حتى وهم يقفون في الخلف رأوا اهتزاز لحيته- صلي الله عليه وسلم - ، وهناك ما هو أعجب من ذلك بحيث أنهم وصفوه من شعر رأسه إلى أخمص قدميه ، حتى الشعر الذي هو خيط الشعر الذي ينزل من الصدر إلى الصرة وصفوه شيء عجيب ، والأشياء التي ما كان يتمكنون من معرفتها كانوا يسألون عنها أمهات المؤمنين ، كيف كان ينام ؟ كيف كان يتكلم معهم .
لم تعرف البشرية قط كل شيء عن نبي إلا نبينا - صلي الله عليه وسلم –نحن لا نعرف الحياة الشخصية لإبراهيم ولا لنوح ولا لموسى ولا لعيسى ولا لهود ولا لصالح ولا ليوسف ولا لإسماعيل ولا لإسحاق ولا ليعقوب ولا لإلياس ولا لذي الكفل ولا لأي نبي من أنبياء الله ، وأنا أريد واحد يخرج لي بإسناد صحيح أي شيء عن أي نبي من هؤلاء الأنبياء- صلوات الله عليهم- ، أما نبينا فكل شيء نعرفه عنه ، إنما نقل إلينا كل شيء المحبون .
والمرء إذا أحب كلف بحبيبه
فأدخل سيرته في كل كلامه حتى لو لم يكن للكلام موضع ، هم كانوا كلهم هكذا ، هل يتصور أحدكم أنه ممكن صحابي يحب النبي هذا الحب يمكن أن يخالفه؟ ، مستحيل ، إذًا محبته الحقيقية هي التي تنقصنا ، نحن ندعي أننا نحبه ولا يستطيع أحد أن يجرؤ أنه لا يحبه ، أو أنه لا يؤمن به .
نصر أبو زيد الذي كان يقول القرءان هذا مصدر بشري وتكلم فيه كلام فظيع لدرجة أن القاضي حكم بكفره وحكم بالتفريق بينه وبين امرأته فيقول العلمانيون المتطرفون يكفرون نصر حامد أبو زيد ، هو القاضي ملكنا ، القاضي ليس لنا علاقة به إطلاقًا هو قاضي ، لم يتحمل هذا القاضي الكلام وكفره ، فذهب إلى هولندا ورحبوا به في هولندا وعينوه أستاذ في الجامعة وهكذا .
وهذا واحد من ضمن هؤلاء الذي لو كان موجودا في زمان عمر لقتل في الحال ، بل لما جرؤ أن يتكلم ودخل مع أهل النفاق حفظًا لدمه وماله لكن الصحابة كانوا غير ذلك كما قلت لكم ، وأنا سأذكر لكم قصة صحابي الذي وعدت بها في مطلع الكلام لتسألوا أنفسكم هل يمكن لأمثال هؤلاء أن يخالفوا النبي- صلي الله عليه وسلم – في دقيق أو جليل وخذ الصحابة كلهم على هذا المثال.
قصة الصحابي أبي ذر - رضي الله عنه-.
حكي قصة إسلامه وروى حديثه عبد الله بن عباس ، والحديث في الصحيحين ن وانفرد مسلم برواية الحديث عن أبي ذر نفسه ، وأنا سأفرق وأنا أتكلم ما بين رواية أبي ذر ورواية ابن عباس عن أبي ذر ، حكاية أبي ذر .
يقول- رضي الله عنه:- أنه خرج وأخوه أنيس وأمه ونزلوا على خالهم اخو أمهم ، قال: فأكرمنا خالنا ، فحسدنا قومنا على هذا الإكرام فقالوا لخالنا أنك إذا خرجت من البيت خالف أُنيس إلى أهلك ، أي يتهمه كأنه يختلي بامرأة خاله ويحدث بينهم أشياء ، فالكلام وصل إلى الخال فصارح أبا ذر بهذا ، فقال له أبو ذر: أما ما مضى من معروفك فقد كدرته ، تتهم أخي أنه يختلي بامرأتك ، ولا جماع لنا معك بعد ذلك وأخذ أمه وأُنيس وركبوا الدواب وغادروا خالهم يبكي ، وظلوا يمشون حتى وصلوا إلى مكة ، وكان أُنيس هذا أخو أبو ذر كان شاعرًا مجيدًا من الطبقة الكبرى من الشعراء ،فدخل أنيس مكة فكان هناك شاعر بمكة أيضًا كان شاعرًا كبيرًا فدخلوا في التحدي مع بعضهم البعض ، قال شاعر مكة أنا أشعر الناس فقال له أُنيس أنا أفضل منك ، فقال له ليقل كل واحد منا قصيدة ، فقال كل واحد منهما قصيدة واتوا بكاهن أو برجل حاكم بينهما يحكم من منهم أفضل من الأخر في الشعر وتراهنوا في الأول فقال له الذي يغلب يأخذ ناقة الرجل الأخر ، فالمهم أنيس قال قصيدته والشاعر الثاني قال القصيدة فحكم الحاكم لأنيس فقال: هذا أشعر منك فأخذ جمله ، فرجع أنيس بصِرمة ، والصِرمة هي القطعة من الدواب مع صِرمته ، فلما رجع سأله أبو ذر ، ما الذي يحدث في مكة ، قال: رأيت رجل على دينك ، وكان لا يوجد إسلام ولا غير ذلك .
عبد الله بن الصامت في صحيح مسلم سأل أبا ذر لما قال أبو ذر: لقد صليت يا بني ثلاث سنين قبل أن ألقى رسول الله- صلي الله عليه وسلم فقال له: كيف كنت تصلي ؟ قال: حيث يوجهني ربي ويظل يصلي طوال الليل ويقول حتى إذا أصبحت كأنني خِفاء، وخفاء أي الثوب المهلهل المرمي على الأرض، يريد أن يقول أنه تعب من كثرة العبادة فألقى نفسه على الأرض.
فلما رجع أُنيس قال لأبي ذر: لقد رأيت رجلًا على دينك، فقال له أبو ذر: وماذا يقول عنه أهل مكة ؟ قال: يقولون: هو كاهن، هو شاعر هو ساحر ، فقال له أبو ذر: فما تقول ؟ ونحن قلنا أن أنيس كان شاعرًا، فقال له: فما تقول أنت في الكلام الذي سمعته ؟ ، قال: لقد علمت أقوال الكهنة فما هو بقول كاهن ، ولقد وضعت كلامه على أقراء الشعر فلا يستقيم لأحد بعدي ، أقراء الشعر هي بحور الشعر التي يكتب الشاعرالشعر عليها، وبحور الشعر الخليل بن أحمد الفراهيدي كتبها لما دخل سوق النحاسين ووجدهم يدقون النحاس بلحن معين فجلس يسمع صوت المطرقة وهي على النحاس ويميل هكذا ويهز هكذا ويقول فاعل فاعل متفعل ، وذهب فطبقه على كلام العرب فوزنت معه ،ووضع أقراء الشعر ، أي بحور الشعر الستة عشر مع المجزوء لكل بحر.
والنبي- صلي الله عليه وسلم – لم يكن يقول شعرًا إلا كسر وزنه لكي لا يقول شعر لأن الله عز وجل يقول: وما هو بشاعر، لابد أن يكسر الوزن، وانظر في قصة حفر الخندق كان النبي- صلي الله عليه وسلم – يقول:
اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة
فأكرم الأنصار والمهاجرة
الشطر الأول مكسور لا تعرف أن توزنه والثاني موزون ، اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة لا تأتي لها تفعيلة ، إنما فأكرم الأنصار والمهاجرة ، تمشي أم لا ؟ ، تمشي ، فأكرم الأنصار والمهاجرة ، لكن الشطر الأول إذا أردت أن تعمل دقة صوتية تنتهي بالسكون وتقف عليها لا تعرف أن تأتي بها ، اللهم لا ، عيش إلا عـ ش الآخرة ، فلا تأتي والنبي- صلي الله عليه وسلم – لما يقول: اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة كسر الشطر الأول ، والشطر الثاني كان موزونًا ، والصحابة لما كانوا يردون عليه كانوا يقولون الشعر كله موزونًا ، لكي لا حرج في أن يقولوا الشعر فأكرم الأنصار والمهاجرة
فكانوا يقولون:
نحن الذين بايعوا محمد
على الجهاد ما بقينا أبدا
وهذا يمشي كالماء ، لما تأتي وتقطع هذا الشعر يتقطع معك ، نحن الذين بايعوا محمد على الجهاد ما بقينا أبدا ، موزون وليس هناك مشاكل هم الذين يقولوه ، فالشعر الذي تستطيع أن تقطعه وتقف فيه على كل تفعيلة فهذا هو الذي يقال عليه شعرًا ، إنما إذا لم تعرف أن تأتي به على تفعيلات فهذا يقال له مكسور الوزن ، مثل ما أقول أنا في مثل هذا كلام الشاعر عندما يقول: على الجهاد ما بقينا أبدا
ربابة ربة البيت تصب الخل في الزيتِ
لها سبع دجاجات وديك حسن الصوتِ
أنت عندما ترغب أن تقطع الكلام هذا يتقطع معك لها سبع دجاجات وديك حسن الصوتِ
ربابة ربة البيت تصب الخل في الزيتِ
لها سبع دجاجات وديك حسن الصوتِ
لها سبع دجاجات وديك حسن الصوتِ
ربابة رب مفاعلة ، ربة البيت مفاعلة ، تصب الخل مفاعلة ، لفي الزيتِ مفاعلة ، لها سبع مفاعلة ، دجاجاتٍ مفاعلة ، وديك ح مفاعلة ، حسن الصوتِ مفاعلة ، فالشعر يعرف إذا كان الشعر مكسور أم هو شعر علي الحقيقة ؟فأنيس يقول لأبي ذر ولقد وضعت كلامه علي أقراء الشعر حاولت أن أوزنه علي تفعيلات الشعر فما استقام لأحدٍ بعدي أي ليس بشاعر .
في حديث ابن عباس في الصحيحين أرسل أبو ذرٍ أخاه أنيسا إلي مكة وقال له: أأتني بخبر هذا الذي يزعمون أنه نبي ، ذهب هناك يتلمس فرجع إلي أبي ذرٍ فقال: رأيت رجل يأمر بمكارم الأخلاق وكذا وكَذا وغير ذلك ، فقال له أبو ذرٍ: ما شفيتني ، كلام عام أنا أريد كلام آخر فأخذ أبو ذر شنةً علي كتفه أي أخذ زوادة وانطلق إلي مكة لكي هو يتأكد بنفسه من هذا الرجل الذي يزعمون أنه نبي ، قال: فدخلت المسجد الحرام فتضعفت رجلًا منهم ، هذه رواية أبي ذر التي في صحيح مسلم فتضعفت رجلًا منهم ، أي جلس ينظر لأن كانت الحرب علي النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت حربًا عوانًا قائمين عليه قومة رجلٍ واحد وأي واحد يؤمن به لابد أن يضربوه أو يقتلوه .
فأبو ذر الأخبار وصلت له أن الذي سيظهر أنه مؤمن أو يحاول يسأل مجرد سؤال هذا سيؤذي ، قال: فنظرت فتضعفت رجلًا منهم ،لأن الضعيف مأمون الغائلة غالبًا أي لا يستطيع أن يؤذيك ، فكفار قريش وضعوا الضعيف هذا فخ وهو لا يعلم ، فقال أبو ذر: فتضعفت رجلًا منهم فذهبت إليه فقلت له: أين هذا الصابئ الذي يدعون أنه نبي ؟ ، فرفع الضعيف صوته وقال: الصابئ الصَابئ هذه كانت علامة بينهم أول ما يقول: الصابئ الصَابئ فيكون الذي جاء ليسأل هذا واحد أتي ليؤمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - .
عندما قال: فقاموا علي بكل مدرة وعظم ،وضربوه ضربًا شديدًا ، يقول أبو ذر في وصف هذا: فما تركوني حتى جعلوني نُصبًا أحمر ، تمثال أحمر من كثرة الدماء التي سالت منه ، في حديث ابن عباس في الصحيحين قال: ما خلصني منهم إلا العباس بن عبد المطلب ، قال: ويحكم ألا تعلمون أنه من غِفار وأن طريق تجارتكم إلي الشام يمر علي غِفار ؟ ، لأنهم كانوا قبائل وكانوا ينتصروا لبعض من باب العصبية ، فعندما قال لهم العباس هذا كفوا عنه .
عود إلي حديث أبي ذر في صحيح مسلم فعندما ضربوه وصار كأنه نصب أحمر هرب منهم فنزل إلي زمزم فغسل الدماء عن نفسه وظل ثلاثين يومًا في زمزم ، لا يريد أن يخرج فوق يقول: لم يكن لي طعام ولا شراب إلا ماء زمزم حتى تكسرت عقل بطني ولم أجد علي كبدي سُخفة جوع ، العقل: طبقات اللحم البني آدم عندما بطنه تكبر وتكون طبقات لحم فوق بعضها ، تخيل ماء زمزم هو الذي فعل هذا ، أي هو رجل عادي جدًا ليس له أكل ولا شرب إلا ماء زمزم حتى تكسرت عقل بطني ولم أجد علي كبدي سقفة جوع أو سخفة جوع كلاهما ضبطان صحيحان للكلمة ،.
عود إلي حديث ابن عباس في الصحيحين قال: فبينما أن جالس إذ مر بي علي بن أبي طالب يمر من عليه ينظر له ولا يكلمه، ثاني مرة مر عليه فقال كلمة وهو يسير قال: أما آن للغريب أن يعرف مثواه ؟ ومشي ، في المرة الثالثة وهو يسير رمى عليه كلمة مثل هكذا ، فأبو ذر قال له: إن دللتني علي النبي- صلى الله عليه وسلم - تبعتك ، قال له أنا ولا كأني أعرفك سأسير أمامك فإذا وجدت أحد يتبعك جاسوس من هؤلاء ،سأجلس كأنني أريق الماء كأنني أتبول ، فمضى وراءه أبو ذرٍ - رضي الله عنه - حتى دخل علي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، هذا في حديث ابن عباس الذي في الصحيحين .
عود إلي حديث أبي ذر في صحيح مسلم قال عندما خرج من زمزم وطلع فوق ، قال: فبينما أنا في ليلة قمراء اضحِيان ، إذ ضُرب علي أصمخة القوم الصماخ هو الأذن ، ضرب علي أصمختهم أي نام كل كفار قريش وكان الوقت متأخر بالليل ، فجاءت امرأتان تطوفان بالبيت تدعوان إسافًا ونائلة ، إساف اسم صنم ونائلة اسم صنم مؤنث أي رجل وامرأة ، وهم يمرون يطوفون وأبو ذر بجوار الكعبة فأراد أن يستهزأ بهم فقال: أنكحا إحداهما الأخرى ، أي زوجوهم لبعض ، فما تناهتا عن قولهما ولا يزالون مصرين على أن يدعون إسافا ونائلة ، لما قال أنكحا إحداهما الأخرى قال لهما كلمة أفظع منها ، قال: هنن مثل الخشبة ، الهن: هو فرج الرجل وفرج المرأة يقال عليه هن ، قال: هنن مثل الخشبة أنكحا إحداهما الأخرى قال: فولولتا أي دعتا بالويل والثبور ، وليس بعيد أننا نقول للمرأة وليه من ذلك أنها تولول .
فولولتا أي صرختا ، وقالت: لو كان هناك أحد من أنفارنا من رجالنا كانوا أدبوه ، وإذا في هذه اللحظة وهم يولولوا إذا النبي- صلى الله عليه وسلم- جاء ليطوف بالبيت هو وأبو بكر ، أول ما رآهم يولولوا ، فقال لهم النبي- صلى الله عليه وسلم- « ما لكما » ، قالت: هذا الرجل قال كلامًا ، فقال لهم النبي- صلى الله عليه وسلم- « وماذا قال ؟ » ، قالتا: لقد قاتل كلمة تملأ الفم ، أي كلام لا يلبس عليه ملابس ، قال أبو ذر: فطاف النبي- صلى الله عليه وسلم- ومعه أبو بكر فجئت وحييته بتحية الإسلام وكنت أول من حياه بتحية الإسلام ، فقال لي: « من أين أنت ؟ » قلت أنا من غفار ، قال: فأهوى بيده على جبهته ، فقلت: كأنه كره أنني انتسبت إلى غِفار ، قال: فأردت أن أمد يدي إليه فقدعني صاحبه فأخرج إليَّ من زبيب الطائف وكان أول مرة يأكل منذ وقت طويل ، فقلت: يا رسول الله إنني من غِفار ، فقال:« ارجع إليهم فادعوهم لعلهم يسلموا ويأجرك الله خيرًا » .
فرجع أبو ذر لأمه وأخيه أنيس، فقال له أخيه ماذا فعلت ؟ لما قال له ما شفيتني وأخذ الشنة وذهب إلى مكة ورجع ، وأُنيس يريد أن يعرف ماذا فعل عندما التقى بصاحبه ، قال له: ماذا فعلت ؟ قال: أسلمت ، قال أنيس: ما بي رغبة عن دينك وأسلم ، وقالت أمهما ما بي رغبة عن دينكما فأسلمت ، أي أسلموا الثلاثة ، يقول أبو ذر لما رجع إلى غفار كان إمامهم وسيدهم أيماء بن رحضة الغِفاري ، رجل كان سيد غفار ، فلما ذهب أبو ذر إلى قبيلته غفار أسلم نصفهم وقال النصف الأخر إذا هاجر إلى المدينة ، لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال لأبي ذر أنني أريد أن أهاجر إلى أرض ذات نخل ولا أحسبها إلا يثرب أي المدينة ، فهو قال لهم هكذا أنه سيهاجر إلى المدينة .
فقال النصف الأخر من غفار إذا هاجر إلى المدينة أسلمنا ، فلما هاجر النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة أسلم النصف الباقي من غِفار فجاءت أسلم وهي قبيلة أخرى إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- وقالت: يا رسول الله ما بنا رغبة عن إخواننا من غِفار فأسلموا جميعًا ، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- حينئذٍ:
دعاء الني صلي الله عليه وسلم لأهل غِفار
« أسلم سالمها الله وغفار غفر الله لها » ، أنا أريدك عندما تسمع قصة إسلام أبي ذر ممكن تتخيل أن أبا ذر هذا يرد كلامًا لله ورسوله؟، هل يمكن أن تتخيل أن يحرف الكلام عن موضعه ؟، وأنا سأقول لك كلمة نسيت أن أقولها في السياق في حديث بن عباس في الصحيحين ، قال: لما أسلم أبا ذر عند النبي- صلى الله عليه وسلم- ، وعلى بن أبي طالب أخذه للنبي- صلى الله عليه وسلم- وأسلم قال: والله لألقين بها بين أكتافهم ، هل لا إله إلا الله معرة ، أنا أسلمت وقلت: لا إله إلا الله ، سأذهب وسط الكفرة الذين ضربوه منذ قليل وجعلوه كنصب أحمر ، فقال: والله لألقين بها بين أكتافهم ، وذهب إلى المسجد الحرام ولم يتب عن الضرب الذي أخذه وصرخ فيهم وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فانقلبوا عليه بكل مدرة وعظم حتى كأنه نصب أحمر مرة ثانية ، وما خلصه في هذه المرة أيضًا إلا العباس بن عبد المطلب .
فلما يكون رجل دخل الإسلام قلبه ومس شغاف قلبه ، وخرج وهو يقول لألقين بها بين أكتافهم وسأقولها وأرفع عقيرتي بها ، فإذا كان الجيل الأول غرباء كانوا يقولون ذلك ألا تفخر أنت بالتزامك وأنك لزمت المنهج الحق ، مهما عيروك به وقالوا عليك متخلف وحجري ومن العصور الوسطى .
ونحن قديمًا في أول التزامنا سنة خمسة وسبعين وأنا طال في ثانوي فأعفيت لحيتي ثم أجبرت على حلقها وكان عودي لا يزال ضعيفا ،المهم بعد أن دخلت الجامعة وأعفيت لحيتي كان العوام يسبوننا وأنا أمشي يا سني ، وهذا كان سب ، ونحن كنا نغضب جدًا ، لم نكن نعرف أن هذا شرف لما يقول لك يا سني وينسبك إلى السنة هذا شرف وتفتخر بها ، لأنهم كانوا يقصدون إيذائنا ويتنابذوا بالألقاب معنا ، يا سني هكذا .
أسوة الشيخ حفظه الله في كبره بكلام عبد الله ابن الزبيرمع الحجاج
فلما كبرت وقرأت وعرفت هذا الكلام وجدت لي أسوة بعبد الله بن الزبير مع الحجاج بن يوسف الثقفي لما كان الحجاج يحب أن يعير عبد الله بن الزبير وأمه كانت أسماء بنت أبي بكر ولقبها ذات النطاقين ، فكان كل الحجاج ما يتكلم يقول له: ابن ذات النطاقين ، هكذا ، فابن الزبير لما بلغته الكلمة والحجاج يقولها على سبيل الاستهزاء فقال كلمة جميل جدًا ، قال له: (تلك شكاة ظاهر عنك عارها )، هذا شيء مما يفتخر به، هي لماذا لقبت بذات النطاقين لأنها شقت نطاقها وكانت حامل في عبد الله بن الزبير وتصعد الجبل العالي لكي توصل الأكل للنبي- صلى الله عليه وسلم- ولأبيها وهما مهاجران إلى المدينة .
فهل هذا شيء أحد يعاير به ، هذا مما يفتخر به ، ولذلك كان يرد على الحجاج بن يوسف الثقفي ويقول له: (تلك شكاة ظاهر عنك عارها )، أي شيء لا يعير المرء به، بل هذا مما يفتخر به ، والكلام عن الصحابة والكلام عن الجيل الأول من الغرباء .
حث الشيخ حفظه الله على أهمية مراجعة حياة الصحابة
أرجوا أن تراجعوا حياة الصحابة من كتب السنة مثل صحيح البخاري وصحيح مسلم ومسند الإمام أحمد وكل الكتب التي صُنفت في فضائل الصحابة خاصة ، ككتاب فضائل الصحابة للإمام أحمد بن حنبل كتاب مجرد لوحده مطبوع في مجلدين وكثير من العلماء مثل فيسمه بن سليمان الطرابلسي ومثل الإمام الدار قطني ، ومثل كتب العقائد اللالكائي وبن بطة وهؤلاء العلماء الذين ذكروا فضائل الصحابة ، طالِعوا فضائل الصحابة من هذه الكتب المسندة ، والكتب التي صنفت بعد ذلك في حياتهم ، وخذ من واقع كل صحابي صفة وحاول أن تطبقها على نفسك فسوف تجمع كثير من الفضائل التي انتثرت في هؤلاء الصحابة لعلك تكون من هؤلاء الرجال الكوامل .
في حديث ابن عباس في الصحيحين أرسل أبو ذرٍ أخاه أنيسا إلي مكة وقال له: أأتني بخبر هذا الذي يزعمون أنه نبي ، ذهب هناك يتلمس فرجع إلي أبي ذرٍ فقال: رأيت رجل يأمر بمكارم الأخلاق وكذا وكَذا وغير ذلك ، فقال له أبو ذرٍ: ما شفيتني ، كلام عام أنا أريد كلام آخر فأخذ أبو ذر شنةً علي كتفه أي أخذ زوادة وانطلق إلي مكة لكي هو يتأكد بنفسه من هذا الرجل الذي يزعمون أنه نبي ، قال: فدخلت المسجد الحرام فتضعفت رجلًا منهم ، هذه رواية أبي ذر التي في صحيح مسلم فتضعفت رجلًا منهم ، أي جلس ينظر لأن كانت الحرب علي النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت حربًا عوانًا قائمين عليه قومة رجلٍ واحد وأي واحد يؤمن به لابد أن يضربوه أو يقتلوه .
فأبو ذر الأخبار وصلت له أن الذي سيظهر أنه مؤمن أو يحاول يسأل مجرد سؤال هذا سيؤذي ، قال: فنظرت فتضعفت رجلًا منهم ،لأن الضعيف مأمون الغائلة غالبًا أي لا يستطيع أن يؤذيك ، فكفار قريش وضعوا الضعيف هذا فخ وهو لا يعلم ، فقال أبو ذر: فتضعفت رجلًا منهم فذهبت إليه فقلت له: أين هذا الصابئ الذي يدعون أنه نبي ؟ ، فرفع الضعيف صوته وقال: الصابئ الصَابئ هذه كانت علامة بينهم أول ما يقول: الصابئ الصَابئ فيكون الذي جاء ليسأل هذا واحد أتي ليؤمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - .
عندما قال: فقاموا علي بكل مدرة وعظم ،وضربوه ضربًا شديدًا ، يقول أبو ذر في وصف هذا: فما تركوني حتى جعلوني نُصبًا أحمر ، تمثال أحمر من كثرة الدماء التي سالت منه ، في حديث ابن عباس في الصحيحين قال: ما خلصني منهم إلا العباس بن عبد المطلب ، قال: ويحكم ألا تعلمون أنه من غِفار وأن طريق تجارتكم إلي الشام يمر علي غِفار ؟ ، لأنهم كانوا قبائل وكانوا ينتصروا لبعض من باب العصبية ، فعندما قال لهم العباس هذا كفوا عنه .
عود إلي حديث أبي ذر في صحيح مسلم فعندما ضربوه وصار كأنه نصب أحمر هرب منهم فنزل إلي زمزم فغسل الدماء عن نفسه وظل ثلاثين يومًا في زمزم ، لا يريد أن يخرج فوق يقول: لم يكن لي طعام ولا شراب إلا ماء زمزم حتى تكسرت عقل بطني ولم أجد علي كبدي سُخفة جوع ، العقل: طبقات اللحم البني آدم عندما بطنه تكبر وتكون طبقات لحم فوق بعضها ، تخيل ماء زمزم هو الذي فعل هذا ، أي هو رجل عادي جدًا ليس له أكل ولا شرب إلا ماء زمزم حتى تكسرت عقل بطني ولم أجد علي كبدي سقفة جوع أو سخفة جوع كلاهما ضبطان صحيحان للكلمة ،.
عود إلي حديث ابن عباس في الصحيحين قال: فبينما أن جالس إذ مر بي علي بن أبي طالب يمر من عليه ينظر له ولا يكلمه، ثاني مرة مر عليه فقال كلمة وهو يسير قال: أما آن للغريب أن يعرف مثواه ؟ ومشي ، في المرة الثالثة وهو يسير رمى عليه كلمة مثل هكذا ، فأبو ذر قال له: إن دللتني علي النبي- صلى الله عليه وسلم - تبعتك ، قال له أنا ولا كأني أعرفك سأسير أمامك فإذا وجدت أحد يتبعك جاسوس من هؤلاء ،سأجلس كأنني أريق الماء كأنني أتبول ، فمضى وراءه أبو ذرٍ - رضي الله عنه - حتى دخل علي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، هذا في حديث ابن عباس الذي في الصحيحين .
عود إلي حديث أبي ذر في صحيح مسلم قال عندما خرج من زمزم وطلع فوق ، قال: فبينما أنا في ليلة قمراء اضحِيان ، إذ ضُرب علي أصمخة القوم الصماخ هو الأذن ، ضرب علي أصمختهم أي نام كل كفار قريش وكان الوقت متأخر بالليل ، فجاءت امرأتان تطوفان بالبيت تدعوان إسافًا ونائلة ، إساف اسم صنم ونائلة اسم صنم مؤنث أي رجل وامرأة ، وهم يمرون يطوفون وأبو ذر بجوار الكعبة فأراد أن يستهزأ بهم فقال: أنكحا إحداهما الأخرى ، أي زوجوهم لبعض ، فما تناهتا عن قولهما ولا يزالون مصرين على أن يدعون إسافا ونائلة ، لما قال أنكحا إحداهما الأخرى قال لهما كلمة أفظع منها ، قال: هنن مثل الخشبة ، الهن: هو فرج الرجل وفرج المرأة يقال عليه هن ، قال: هنن مثل الخشبة أنكحا إحداهما الأخرى قال: فولولتا أي دعتا بالويل والثبور ، وليس بعيد أننا نقول للمرأة وليه من ذلك أنها تولول .
فولولتا أي صرختا ، وقالت: لو كان هناك أحد من أنفارنا من رجالنا كانوا أدبوه ، وإذا في هذه اللحظة وهم يولولوا إذا النبي- صلى الله عليه وسلم- جاء ليطوف بالبيت هو وأبو بكر ، أول ما رآهم يولولوا ، فقال لهم النبي- صلى الله عليه وسلم- « ما لكما » ، قالت: هذا الرجل قال كلامًا ، فقال لهم النبي- صلى الله عليه وسلم- « وماذا قال ؟ » ، قالتا: لقد قاتل كلمة تملأ الفم ، أي كلام لا يلبس عليه ملابس ، قال أبو ذر: فطاف النبي- صلى الله عليه وسلم- ومعه أبو بكر فجئت وحييته بتحية الإسلام وكنت أول من حياه بتحية الإسلام ، فقال لي: « من أين أنت ؟ » قلت أنا من غفار ، قال: فأهوى بيده على جبهته ، فقلت: كأنه كره أنني انتسبت إلى غِفار ، قال: فأردت أن أمد يدي إليه فقدعني صاحبه فأخرج إليَّ من زبيب الطائف وكان أول مرة يأكل منذ وقت طويل ، فقلت: يا رسول الله إنني من غِفار ، فقال:« ارجع إليهم فادعوهم لعلهم يسلموا ويأجرك الله خيرًا » .
فرجع أبو ذر لأمه وأخيه أنيس، فقال له أخيه ماذا فعلت ؟ لما قال له ما شفيتني وأخذ الشنة وذهب إلى مكة ورجع ، وأُنيس يريد أن يعرف ماذا فعل عندما التقى بصاحبه ، قال له: ماذا فعلت ؟ قال: أسلمت ، قال أنيس: ما بي رغبة عن دينك وأسلم ، وقالت أمهما ما بي رغبة عن دينكما فأسلمت ، أي أسلموا الثلاثة ، يقول أبو ذر لما رجع إلى غفار كان إمامهم وسيدهم أيماء بن رحضة الغِفاري ، رجل كان سيد غفار ، فلما ذهب أبو ذر إلى قبيلته غفار أسلم نصفهم وقال النصف الأخر إذا هاجر إلى المدينة ، لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال لأبي ذر أنني أريد أن أهاجر إلى أرض ذات نخل ولا أحسبها إلا يثرب أي المدينة ، فهو قال لهم هكذا أنه سيهاجر إلى المدينة .
فقال النصف الأخر من غفار إذا هاجر إلى المدينة أسلمنا ، فلما هاجر النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة أسلم النصف الباقي من غِفار فجاءت أسلم وهي قبيلة أخرى إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- وقالت: يا رسول الله ما بنا رغبة عن إخواننا من غِفار فأسلموا جميعًا ، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- حينئذٍ:
دعاء الني صلي الله عليه وسلم لأهل غِفار
« أسلم سالمها الله وغفار غفر الله لها » ، أنا أريدك عندما تسمع قصة إسلام أبي ذر ممكن تتخيل أن أبا ذر هذا يرد كلامًا لله ورسوله؟، هل يمكن أن تتخيل أن يحرف الكلام عن موضعه ؟، وأنا سأقول لك كلمة نسيت أن أقولها في السياق في حديث بن عباس في الصحيحين ، قال: لما أسلم أبا ذر عند النبي- صلى الله عليه وسلم- ، وعلى بن أبي طالب أخذه للنبي- صلى الله عليه وسلم- وأسلم قال: والله لألقين بها بين أكتافهم ، هل لا إله إلا الله معرة ، أنا أسلمت وقلت: لا إله إلا الله ، سأذهب وسط الكفرة الذين ضربوه منذ قليل وجعلوه كنصب أحمر ، فقال: والله لألقين بها بين أكتافهم ، وذهب إلى المسجد الحرام ولم يتب عن الضرب الذي أخذه وصرخ فيهم وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فانقلبوا عليه بكل مدرة وعظم حتى كأنه نصب أحمر مرة ثانية ، وما خلصه في هذه المرة أيضًا إلا العباس بن عبد المطلب .
فلما يكون رجل دخل الإسلام قلبه ومس شغاف قلبه ، وخرج وهو يقول لألقين بها بين أكتافهم وسأقولها وأرفع عقيرتي بها ، فإذا كان الجيل الأول غرباء كانوا يقولون ذلك ألا تفخر أنت بالتزامك وأنك لزمت المنهج الحق ، مهما عيروك به وقالوا عليك متخلف وحجري ومن العصور الوسطى .
ونحن قديمًا في أول التزامنا سنة خمسة وسبعين وأنا طال في ثانوي فأعفيت لحيتي ثم أجبرت على حلقها وكان عودي لا يزال ضعيفا ،المهم بعد أن دخلت الجامعة وأعفيت لحيتي كان العوام يسبوننا وأنا أمشي يا سني ، وهذا كان سب ، ونحن كنا نغضب جدًا ، لم نكن نعرف أن هذا شرف لما يقول لك يا سني وينسبك إلى السنة هذا شرف وتفتخر بها ، لأنهم كانوا يقصدون إيذائنا ويتنابذوا بالألقاب معنا ، يا سني هكذا .
أسوة الشيخ حفظه الله في كبره بكلام عبد الله ابن الزبيرمع الحجاج
فلما كبرت وقرأت وعرفت هذا الكلام وجدت لي أسوة بعبد الله بن الزبير مع الحجاج بن يوسف الثقفي لما كان الحجاج يحب أن يعير عبد الله بن الزبير وأمه كانت أسماء بنت أبي بكر ولقبها ذات النطاقين ، فكان كل الحجاج ما يتكلم يقول له: ابن ذات النطاقين ، هكذا ، فابن الزبير لما بلغته الكلمة والحجاج يقولها على سبيل الاستهزاء فقال كلمة جميل جدًا ، قال له: (تلك شكاة ظاهر عنك عارها )، هذا شيء مما يفتخر به، هي لماذا لقبت بذات النطاقين لأنها شقت نطاقها وكانت حامل في عبد الله بن الزبير وتصعد الجبل العالي لكي توصل الأكل للنبي- صلى الله عليه وسلم- ولأبيها وهما مهاجران إلى المدينة .
فهل هذا شيء أحد يعاير به ، هذا مما يفتخر به ، ولذلك كان يرد على الحجاج بن يوسف الثقفي ويقول له: (تلك شكاة ظاهر عنك عارها )، أي شيء لا يعير المرء به، بل هذا مما يفتخر به ، والكلام عن الصحابة والكلام عن الجيل الأول من الغرباء .
حث الشيخ حفظه الله على أهمية مراجعة حياة الصحابة
أرجوا أن تراجعوا حياة الصحابة من كتب السنة مثل صحيح البخاري وصحيح مسلم ومسند الإمام أحمد وكل الكتب التي صُنفت في فضائل الصحابة خاصة ، ككتاب فضائل الصحابة للإمام أحمد بن حنبل كتاب مجرد لوحده مطبوع في مجلدين وكثير من العلماء مثل فيسمه بن سليمان الطرابلسي ومثل الإمام الدار قطني ، ومثل كتب العقائد اللالكائي وبن بطة وهؤلاء العلماء الذين ذكروا فضائل الصحابة ، طالِعوا فضائل الصحابة من هذه الكتب المسندة ، والكتب التي صنفت بعد ذلك في حياتهم ، وخذ من واقع كل صحابي صفة وحاول أن تطبقها على نفسك فسوف تجمع كثير من الفضائل التي انتثرت في هؤلاء الصحابة لعلك تكون من هؤلاء الرجال الكوامل .