نظرات مع رحلة الرحيل إلى الآخرة
يقول الله تعالى : {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ }
(آل عمران 185) .
(آل عمران 185) .
آية كريمة من كتاب الله تعالى وجيزة بليغة ، واسعة المعاني ، عميقة الأثر في نفوس المؤمنين الصادقين ، الذين يقدرون كلام الله حق قدره ، وترتعش قلوبهم لذكره ، خشية ورهبة :{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }[الأنفال:2] . وكيف لا توجل قلوبهم رهبة ورغبة وهم يعلمون يقينا حقيقة الحياة الدنيا الفانية وما ينتظرهم بعدها من أهوال الموت و القبور ، ومشاهد البعث والنشور .
وفي آية الانطلاق اختزال بياني دقيق ووجيز لمراحل رحلة الانسان بين الدنيا الفانية والآخرة الباقية ، وما يصاحبها من حقائق الوجود والمسير والمصير ، تعرضها الآية بترتيب بلاغي له مقصده ومغزاه :
ـ محطة يوم القيامة ، وحقيقتها البعث والحساب و الجزا ء :{ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
ـ محطة المصير النهائي، وحقيقتها مآل الجنة أو النار:{فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ }
ـ محطة الحياة الدنيا ، وحقيقتها أنها دار الغرور لطالبيها : {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ }.
وفي هذا الترتيب حكمة البيان القرآني الذي بدأ بما له شأن وقيمة في مصير الانسان وهو الموت والقيامة والجنة والنار ، وأخر الحياة الدنيا ، وان كانت متقدمة زمنيا ، لأنها فانية ، لا تساوي شيئا أمام حياة الآخرة الأبدية ، وهو ترتيب الأولوية المطلوب في اهتمام المؤمن العاقل العامل .
نتلو هذه الآية الكريمة أو تتلى علينا بمحطاتها المصيرية ، لكن أكثر الناس في خضم الحياة الفاتنة ، غافلون عن الآخرة ، لاهون ، لاهثون وراء متاع الغرور ، مدفوعين بشهوات الأموال والمناصب والجاه والمتع واللذات ، وكأنهم في الدنيا خالدون . وقد نسوا أو تجاهلوا لحظة الموت المحتوم ، وكروب القبور ويوم البعث والنشور ، أو يتهربون من ذكر الآخرة أو الانشغال بها لئلا تكدر عليهم ـ بزعمهم ـ سعادة الاستمتاع بالحياة . وهل ينفع الفرار أو يجدي التجاهل ، ونداء الله تعالى واضح وصريح : {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ }( المؤمنون 115 ) ، نداء يذكرنا برسالة وجودنا وأمانة الاستخلاف في الارض بالعبودية والعبادة الخالصة لرب العالمين ، واعمار الأرض بالصالحات وفعل الخيرات ، وذلك هو الزاد من دنيا الابتلاء والاختبار ،استعدادا ليوم تشخص فيه الأبصار، تنتظر نتائج المصير ووجهة المسير ، اذ ليس بعد ذلك الا احدى اثنتين : فريق في الجنة وفريق في السعير : { إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ }(الانفطار 13,14).
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها الا التي كان قبل الموت يبنيهـــا
فان بناهـا بخيـر طـاب مسكنـه وان بنـاهـا بشـر خــاب بــانيهــــا
فماذا تساوي الدنيا التي شغلت الناس ، الا ان تكون أهون على الله من جناح بعوضة ، كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم:( لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ، ما سقى كافرا منها شربة ماء ) ( رواه الترمذي ) وبعدها يستوي الخلق أمام عدل الله تعالى بالموت المقدر المحتوم :
ـ فقل للمكذبين الجاحدين بالدين ويوم الدين ، أين المفر ! { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} ـ وقل للطغاة المتجبرين بالظلم والعدوان : أنى توفكون { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ } ـ وقل للعابدين لدنياهم وقد عطلوا حقوق رب العالمين : رويدكم : { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ } ـ وقل لكل لاعب لاه في دنياه ، غافل عن نهايته ومصيره : { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ }. ومن وراء الخلق أجمعين حكم الله الحي الذي لا يموت :{ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فان . وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ }(الرحمن 24,25) . وسوف تهون الأعمار الدنيوية البائدة ، فلا تبدو يوم البعث الا كما يصورها القرآن الكريم :{ قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَآدّينَ * قَالَ إِن لّبِثْتُمْ إِلاّ قَلِيلاً لّوْ أَنّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }( المؤمنون 112)
فماذا أعددنا ليوم الرحيل الى الله تعالى ؟ وماذا يكون الجواب على سؤال الملكين في القبور، وهي أولى منازل الآخرة ؟ هل نستطيع الثبات والسداد في الجواب الا بالايمان والعمل الصالح : { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ } ( الزمر 27). والقبر اما هو روضة من رياض الجنة للأبرار ، أو حفرة من حفر جهنم للفجار . وتلك أولى مراحل المسير والمصير :{ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى }(طه55)، فهل من واعظ أبلغ من مشهد الموت والقبور لمن كان له قلب حي وعقل سليم ( كفى بالموت واعظا ) .
وحين يأذن الله تعالى بالبعث والنشور ، وينفخ في الصور ، ويخرج الخلق من الأجداث الى ربهم ينسلون ، ليقفوا بساحة المحشر المهيب، وقفة الكرب والفزع الشديد ، خاشعة أبصارهم ، ويتساءل المتسائلون من هول الانبعاث :{ ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون, قالوا ياولنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون }(يس52). هنالك المشهد المهيب الأول من مشاهد يوم القيامة المتلاحقة ، وكل مشهد منها هو أشد هولا وكربا وفزعا من سابقه . وكل شيء من ذلك مبين بدقة وتفصيل في كتاب الله تعالى وسنة رسوله كأنه رأي العين { وكل شيء فصلناه تفصيلا } .
فماذا ادخرتم ، يا اخوتي وأخواتي ، من دنياكم لآخرتكم ، يوم تتراجع امتيازات المال والجاه والسلطان والأنصار والأعوان ، و يكون الخلق أجمعون في صعيد واحد ، واقفين ما شاء الله من الزمن الطويل ، قبل أوان الحساب ، حفاة عراة ذاهلين من الكرب العظيم ،مشفقين من عواقب المصير :{ لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ }. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما روته عائشة (ض) : ( يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا ،فقلت : يارسول الله ، الرجال والنساء جميعا ينظر بعضهم الى بعض ؟ فقال : يا عائشة ، الأمر يومئذ أشد من أن ينظر بعضهم الى بعض ) (رواه الشيخان) . وكيف يهتم الناس يومئذ بشواغل الدنيا وغرائزها ، وليس لهم اليوم من هم الا النجاة من النار والفوز بالجنة : { يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } (عبس 34).
فيالسعادة الأبرار الذين أمنوا واستقاموا ، فهم من فزع يومئد آمنون ، لا يحزنهم الفزع الأكبر: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ }(فصلت30) .
وياويل الفجار من فضائح الحشر والعرض وهم في محنة وعذاب حتى قبل مصير النار . ذلك ان الناس يحشرون ويشتد الحشر عليهم على قدر أحوالهم في الدنيا . فمنهم من يحشرون سود الوجوه :{ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ }. ومنهم من يحشرون عميانا :{ وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً }.{ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى }. و من يحشرون على وجوههم :{ الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا } ومنهم من يحشرون بتلك الأحوال جميعا :{ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا }. وحين سئل النبي صلى الله عليه وسلم ، كيف يحشرون على وجوههم ، أجاب بأن الذي أمشاهم في الدنيا على أرجلهم ، قادر على أن يمشيهم يوم القيامة على وجوههم . ومنهم من يحشرون أقزاما في صفة الحصى جزاء تكبرهم على الله وعلى العباد ، قوله عليه الصلاة والسلام: (يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان ) (رواه الترمذي).
أيها الأخوة الكرام ، ان أهوال يوم القيامة أطوار شديدة متلاحقة بعضها أشد هولا من بعض . فماذا أعددنا للحظة الوقوف للسؤال والحساب في محكمة رب العالمين وهو العدل الذي لا تخفى عليه خافية : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ } (أل عمران30). وماذا أعددنا لكتاب لا يغادر من أعمالنا صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها :{ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } [الكهف:49] ، وكيف تكون الحال حين توضع موازين العدل الالهي التي لا تظلم مثقال ذرة : { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } (الانبياء47).
واذا كنا لا نطيق من نار الدنيا دقيقة واحدة ، فكيف بنار جهنم التي صور القرآن الكريم أهوالها بكل أوصاف الشدة والفتك في الاحراق والتنكيل ، وقال عنها النبي الكريم : ( ناركم هذه التي توقدون جزء من سبعين جزءا من نار جهنم . قالوا والله ان كانت لكافية يارسول الله ) (رواه مسلم) ، وكيف والعذاب فيها أصناف وألوان ودركات : { إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِلطَّاغِينَ مَآبًا * لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا * لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا * جَزَاءً وِفَاقًا } (النبأ31ـ36). نار جهنم التي يعرض الخلق عليها جميعا عبر صراط أدق وأحد ، يحسم العرض والحساب بالمصيرالنهائي ، عبورا الى الجنة أو سقوطا في النار، لا يستقيم عليه الا من كان مستقيما في دنياه على صراط الايمان والتقوى :{ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا. وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا }(مريم 72.71).
جعلنا الله جميعا من أهل رضاه ورضوانه وأجارنا بفضله وعفوه من عذابه الأليم ، انه حليم كريم .
الخطبــــة الثـانيــــة
يقول المولى تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقَواْ اللَّهَ وَلتَنظُر نَفسُ مَّا قَدَّمَت لِغَدٍ واتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرُ بِمَا تَعمَلُونَ(18)ولا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُم أَنفُسَهُم أُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ(19)لا يَستَوِي أَصحَابُ النَّارِ وَأصحَابُ الجَنَّةِ أَصحَابُ الجَنَّةِ هُمُ الفَائِزُونَ }( الحشر .19.18 )
من منا لا يرجو أن يكون من الفائزين بالجنة ؟. ولكن ، من منا يقدر ذلك اليوم حق قدره ويعمل له على قدر ما يعلم من حقائقه و شدائده وأهواله ؟. وما من أحد الا سوف يندم يوم القيامة ، ولو كان صالحا ، كما أخبر الني صلى الله عليه وسلم بذلك ، فقالوا وما ندامته يارسول الله قال ( من كان محسنا ندم ألا يكون ازداد ، ومن كان مسيئا ندم ألا يكون نزع ) (رواه الترمذي) . وأي ندم أكبر من أن يخسر المرء رضا الله تعالى ونعيم الجنة بمتاع الدنيا الفانية، وذلك مصير الكافرين :{ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ }(الأحقاف 20 ).
فماذا قدمت يا أخي بين يدي أخرتك من أجل النجاة من النار والفوز بالجنة ؟
ـ هل أصلحت قلبك بالتزكية والتطهير من أمراض النفاق والكبر والغرور والحسد والبغضاء ، استعدادا للقاء ربك بقلب سليم { يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }.
ـ وهل أصلحت لسانك وطهرته من آفات الكذب والفحش والغيبة والنميمة والزور ، وأنت تسمع وصية رسول الله لمعاذ بن جبل : كف عليك هذا. قلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ) ( الترمذي).
ـ وهل كففت جوارحك عن المحارم خشية لله وتعظيما لحرماته وتحسبا ليوم تشهد عليك جوارحك بالحق { الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } (يس65).
ـ وهل أديت حقوق الله عز وجل وحقوق العباد ، وبرأت ذمتك ، نحو نفسك وأهلك وذوي رحمك وجيرانك ، اعتبارا ليوم لا ظلم فيه ولا عملة الا الحسنات والسيئات: { فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ }.
ويا ويل المفلسين الذين تضيع منهم عباداتهم بالشرك أو الكبر أو بالمظالم { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً } وكما في الحديث :( المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته، فان فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) (رواه مسلم والترمذي)
فيا أيها المؤمنون ، لا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ، واعلموا أن الله غفور رحيم وأنه شديد العقاب { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ } ولا تتعلقوا بالآمال بغير عمل، فان الدنيا مزرعة الآخرة ، وأن الله عدل حكيم { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } (الشورى: آية 20). و ( العاقل من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله
الأماني ) .
الأماني ) .
جعلني الله واياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ،أولئك الذين هداهم الله واولئك هم أولو الألباب .