الخميس، 24 مارس 2011

بر الوالدين



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وبعد:
قال تعالى:  ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ) الإسراء : 24،23.
الوالدان، وما أدراك ما الوالدان..
البر كلمة جامعة لخيري الدنيا والآخرة، وبر الوالدين يعني الإحسان إليهما وتوفية حقوقهما، وطاعتهما في أغراضهما في الأمور المندوبة والمباحة، لا في الواجبات والمعاصي، والبر ضد العقوق، وهو الإساءة إليهما وتضييع حقوقهما.
ويكون البر بحسن المعاملة والمعاشرة، وبالصلة والإنفاق، بغير عوض مطلوب.
تعريف الوالدين:
الوالدان هما الأب والأم، سواء كانا من نسب أو رضاع، مسلمين كانا أم كافرين، وإن عليا، فالأجداد والجدات، آباء وأمهات، سواء كانوا من قبل الأب أو الأم، والخالة بمنزلة الأم كما صح بذلك الخبر.
بر الوالدين فرض واجب، وعقوقهما حرام ومن الكبائر.
يقول حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: ثلاث آيات مقرونات بثلاث، ولا تقبل واحدة بغير قرينتها..
 1- ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ(  التغابن:12، فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه.
2- ( وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ (  البقرة:43، فمن صلى ولم يزكِّ لم يقبل منه.
3- ( أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ( لقمان:14، فمن شكر لله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه.
ولأجل ذلك تكررت الوصايا في كتاب الله تعالى والإلزام ببرهما والإحسان إليهما، والتحذير من عقوقهما أو الإساءة إليهما، بأي أسلوب كان:
قال الله تعالى:  ( وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً (  النساء:36 .
وقال تعالى:  ( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً  (العنكبوت:8  .
وقال تعالى:   ( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ(    لقمان:14
فوضحت هذه الآيات ما للوالدين من جميل عظيم، وفضل كبير على أولادهما، خاصة الأم، التي قاست الصعاب والمكاره بسبب المشقة والتعب، من وحامٍ وغثيان وثقل وكرب، إلى غير ذلك مما ينال الحوامل من التعب والمشقة، وأما الوضع: فذلك إشراف على الموت، لا يعلم شدته إلا من قاساه من الأمهات.
وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء التأكيد على وجوب بِرّ الوالدين والترغيب فيه، والترهيب من عقوقهما:
- ومن ذلك: ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:)  رضا الرب في رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما ) رواه الطبراني في الكبير، وصححه العلامة الألباني.
- وروى أهل السنن إلا الترمذي بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: جئت أبايعك على الهجرة، وتركت أبويّ يبكيان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ارجع إليهما، فأضحكهما كما أبكيتهما (
- وروى الإمام أحمد في المسند وابن ماجة - واللفظ له - عن معاوية بن جاهمة السلمي: أنه استأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في الجهاد معه، فأمره أن يرجع ويَبرَ أُمَّه، ولما كرر عليه، قال صلى الله عليه وسلم )  ويحك.. الزم رجلها... فثمّ الجنة(
- وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه  قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ! من أحقُّ الناس بحسن صحابتي؟ قال: "أمّـك"، قال: ثم من؟ قال: "أمّك"، قال: ثم من؟ قال "أمّـك"، قال ثم من؟ قال: "أبوك"
وهذا الحديث مقتضاه أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البر، وذلك لصعوبة الحمل ثم الوضع ثم الرضاع، فهذه تنفرد بها الأم وتشقى بها، ثم تشارك الأب في التربية، وجاءت الإشارة إلى هذا في قوله تعالى:  ( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ) لقمان:14  .
- وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال، والديوث. وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والمدمن الخمر، والمنّان بما أعطى ) رواه النسائي وأحمد والحاكم.
- وروى الإمام أحمد بسند حسن عن معاذ بن جبل رضي الله عنه  قال: أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر كلمات قال: ( لا تشرك بالله شيئاً، وإن قتلت وحرّقت، ولا تعقّنَّ والديك، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك...) إلى 



*****************************


ثمرات بر الوالدين


قبــــول العمل الصالح:
قال الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16)) سورة  الأحقاف.
قال العلامة الشيخ محمد المختار الشنقيطي عند ذكره لثمرات بر الوالدين:
[من أعظمها وأجلها تقبل العمل؛ فإن الإنسان إذا كان باراً بوالديه كان مقبول العمل، وإذا تقبل الله العمل نفع الله به صاحبه في الدنيا والآخرة، وكان السلف الصالح رحمهم الله يحملون هم القبول، فكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: [لو أعلم لو أن لي صلاة مقبولة لاتكلت، فمن بر والديه فإن الله يتقبل عمله] قال الله تعالى في كتابه فيمن بر والديه: { أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ } [الأحقاف:16].
فجمع لمن بر والديه بين هاتين الثمرتين قبول العمل وتكفير الخطيئة، فيقبل عمل الإنسان وتكفر خطيئته.
قال بعض العلماء: إن البار إذا أصبح وفعل الطاعة وأمسى قبل عمل يومه، وإن العاق لو أطاع الله يومه فإن عقوقه قد يكون سبباً في حرمانه القبول للطاعة والعياذ بالله، فلو أصبح صائماً وبات قائماً وأغضب أباه وأمه لم يقبل الله عز وجل عمله، فإن الله تبارك وتعالى ذكر في قطيعة الرحم أنها تلحق بالإنسان العمى والصمم فقال جل وعلا: { أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ } [محمد:23] فإذا كان هذا فيمن قطع رحمه، فكيف بمن عق والديه والعياذ بالله، فخير ما يجنيه من بر الوالدين قبول العمل.(1)]


(1) مصدر الكتاب : دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية  8/41.


______________ 
 ثمرات بر الوالدين (2-3)

قبول التوبة
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :[ فكلُّ من أصاب شيئاً من محارم الله، فقد أصابَ حدودَه، وركبها، وتعدَّاها . وعلى تقدير أنْ يكونَ الحدُّ الذي أصابه كبيرةً ، فهذا الرجل جاء نادماً تائباً ، وأسلم نفسه إلى إقامةِ الحدِّ عليه ، والنَّدمُ توبة ، والتوبةُ تُكفِّرُ الكبائرَ بغير تردُّدٍ ، وقد رُوي ما يُستدلُّ به على أنَّ الكبائر تكفرُ ببعض الأعمال الصالحة ، فخرَّجَ الإمامُ أحمد والترمذيُّ من حديث ابن عمر: أنَّ رجلاً أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسولَ الله، إني أصبتُ ذنباً عظيماً، فهل لي من توبة؟ قالَ: ((هل لك مِنْ أمٍّ ؟)) قالَ: لا ، قالَ:((فهل لك من خالةٍ؟)) قال: نعم ، قال: (( فبِرَّها ))، وخرَّجه ابن حبان في " صحيحه " والحاكم ، وقال : على شرط الشيخين ، لكن خرَّجه الترمذي من وجهٍ آخر مرسلاً ، وذكر أنَّ المرسلَ أصحُّ من الموصول ، وكذا قال عليُّ بنُ المديني و الدارقطني.
وروي عن عمرَ أنَّ رجلاً قال له : قتلتُ نفساً، قال: أمُّك حية؟ قال: لا، قال: فأبوك ؟ قال: نعم، قال: فبِرَّه وأحسن إليه، ثم قال عمر: لو كانت أمُّه حيَّةً فبرَّها، وأحسن إليها، رجوتُ أنْ لا تطعَمه النارُ أبداً . وعن ابن عباس معناه أيضاً .
وكذلك المرأة التي عَمِلَت بالسحر بدُومَة الجندلِ ، وقدمت المدينةَ تسألُ عن توبتها ، فوجدت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم  قد توفي، فقال لها أصحابُه: لو كان أبواك حَيَّيْنِ أو أحدهما كانا يكفيانك. خرَّجه الحاكم وقال: فيه إجماعُ الصحابة حِدْثَان وفاةِ الرسول صلى الله عليه وسلم  على أنَّ برَّ الأبوين يكفيانها.
وقال مكحول والإمام أحمد: بِرُّ الوالدين كفارةٌ للكبائر.
وهذه كلُّها لا دِلالةَ فيها على تكفير الكبائر بمجرَّد العمل ؛ لأنَّ كلَّ من ذكر فيها كان نادماً تائباً من ذنبه ، وإنَّما كان سؤاله عن عملٍ صالح يتقرَّب به إلى الله بعد التوبة حتّى يمحوَ به أثَرَ الذنب بالكلية ، فإنَّ الله شرط في قبول التوبة ومغفرةِ الذنوب بها العملَ الصالح ، كقوله: { إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً }، وقوله: { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً }، وقوله: { فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ }.
وفي هذا متعلَّقٌ لمن يقول: إنَّ التائب بعد التوبة في المشيئة ، وكان هذا حال كثير مِنَ الخائفين مِنَ السَّلف .
وقال بعضهم لرجلٍ: هل أذنبت ذنباً؟ قال: نعم ، قال: فعلمتَ أنَّ الله كتبه عليك؟ قال: نعم، قال: فاعمل حتّى تعلمَ أنَّ الله قد محاه.
ومنه قولُ ابن مسعود: إنَّ المؤمن يرى ذنوبه كأنَّه في أصل جبل يخاف أنْ يقع عليه ، وإنَّ الفاجر يرى ذنوبَه كذُبابٍ طار على أنفه ، فقال به هكذا . خرَّجه البخاري.
وكانوا يتَّهمُون أعمالهم وتوباتهم ، ويخافون أنْ لا يكونَ قد قُبِلَ منهم ذلك، فكان ذلك يُوجِبُ لهم شدَّةَ الخوف ، وكثرةَ الاجتهاد في الأعمال الصالحة([1])] .






(1)  أسباب رفع العقوبة عن العبد لشيخ الإسلام ابن تيمية تحقيق علي بن نايف الشحود ص14 .


هنا  


__________________ 

صور من بر السلف لآبائهم

- ومن ذلك أن أبا هريرة رضي الله عنه كان إذا أراد أن يخرج من بيته وقف على باب أمه فقال: السلام عليك يا أماه ورحمة الله وبركاته، فتقول: وعليك السلام يا ولدي ورحمة الله وبركاته، فيقول: رحمك الله كما ربيتني صغيراً، فتقول: رحمك الله كما بررتني كبيراً. 

- أما عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقد طلبت والدته في إحدى الليالي ماء، فذهب ليجيء بالماء، فلما جاء وجدها نائمة، فوقف بالماء عند رأسها حتى الصباح، فلم يوقظها خشية إزعاجها، ولم يذهب خشية أن تستيقظ فتطلب الماء فلا تجده.
- وها هو ابن الحسن التميمي رحمه الله يهمُّ بقتل عقرب، فلم يدركها حتى دخلت في جحر في المنزل، فأدخل يده خلفها وسد الجحر بأصابعه، فلدغته، فقيل له: لم فعلت ذلك؟ قال: خفت أن تخرج فتجيء إلى أمي فتلدغها.
- أما ابن عون المزني فقد نادته أمه يوماً فأجابها وقد علا صوته صوتها ليسمعها، فندم على ذلك وأعتق رقبتين.

تعريف العقوق
العقوق لغة: من العق، وهو القطع.
العقوق شرعاً: كل فعل أو قول يتأذى به الوالد من ولده ما لم يكن شركاً أومعصية.
قال الحسن البصري وقد سئل: إلى ما ينتهي العقوق؟ قال: أن يحرمهما، يهجرهما، ويحد النظر إليهما؛ وقال عطاء: لا ينبغي لك أن ترفع يديك على والديك؛ وقال عروة بن الزبير: لا تمتنع من شيء أحباه.

حكم العقوق
العقوق حرام ومن أكبر الكبائر.
الدليل ذلك:
من القرآن قوله تعالى: "إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ".
ومن السنة: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور".
وقد أجمعت الأمة على حرمة العقوق وأنه من الكبائر المتفق عليها.
أ. في الدنيا:
1.   يضيَّق عليه في رزقه وإن وسِّع عليه فمن باب الاستدراج.
2.  لا يُنسأ له في أجله كما ينسأ للبار لوالديه والواصل لرحمه.
3.  لا يُرفع له عمل يوم الخميس ليلة الجمعة.
4.  لا تفتح أبواب السماء لعمله.
5.  يبغضه الله.
6.  يبغضه أهله وجيرانه.
7.  يخشى عليه من ميتة السوء.
8.  يلعنه الله وملائكته والمؤمنون.
9.  لا يستجاب دعاؤه.
10.  تعجل له العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له يوم القيامة.
11.  يعقه أبناؤه وأحفاده.
ب. في الآخرة:
1.  لا يدخل الجنة إن كان من الموحدين مع أول الداخلين.
2.  لا ينظر الله إليه وإن دخل الجنة.
- قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث"، وفي رواية: "لا يدخل الجنة منان، ولا عاق، ولا مدمن خمر".
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رَغِمَ أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه"، قيل: من يا رسول الله؟ قال: "من أدرك والديه عند الكبر أوأحدهما ثم لم يدخل الجنة".
- وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة قاطع"وفي رواية: "قاطع رحم".

العقوق صوره كثيرة، ونماذجه وفيرة، وسنشير إلى بعض تلك الصور، وهي:
1.  السب واللعن.
2.  التبرؤ من والديه.
3.  تقديم الصديق على الأب والزوجة على الأم.
4.  الكذب عليهما.
5.  غيبتهما.
6.  التكبر والترفع عليهما.
7.  التسبب في بكائهما.
8.  عدم طاعتهما في ترك المباحات والمستحبات.

الأدلة على ذلك: 

- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه؛ قيل: يا رسول الله، وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يسبُّ الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسبُّ أمه فيسب أمه". 

- قال ابن عمر رضي الله عنهما: "بكاء الوالدين من العقوق والكبائر".

- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلاث دعوات مستجابات لهن، لا شك فيهن، دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالدين على ولديهما".

جمع وإعداد
أ . باسمة بدر الجابري



__________________

بمَ يكون برُّ الوالدين؟

أ- في حياتهما: يكون بر الوالدين المسلمين في حياتمها بالآتي:
1.   طاعتهما في المعروف.
2.   موافقتهما فيما يريدان في غير معصية الله.
3.   الإنفاق عليهما إن كانا محتاجين.
4.   الإحسان والإهداء إليهما إن كانا مكتفين.
5.   عدم التعرض لسبهما.
6.   لا يحدّ النظر إليهما.
7.   لا يمشي أمام أبيه إلا في الظلمة.
8.   ولا يقعد قبله.
9.   لا يدعو أباه باسمه.
10. التكلم معهما بلين وتلطف.
11. عدم رفع الصوت عليهما.
- قال البغوي رحمه الله: (سئل الحسن: ما بر الوالدين؟ قال: أن تبذل لهما ما ملكت، وتطيعهما فيما أمراك ما لم يكن معصية.
ثم قال: ألم تعلم أن نظرك في وجوه والديك عبادة، فكيف بالبر بهما؟
- وقال أبو هريرة لرجل وهو يعظه في بر أبيه: لا تمش أمام أبيك، ولا تجلس قبله، ولا تدعه باسمه.
- وقال ابن محيريز: من مشى بين يدي أبيه فقد عقه إلا أن يميط له الأذى عن الطريق، وإن كناه أوسماه باسمه فقد عقه إلا أن يقول يا أبه).
- قال تعالى:( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً ، {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ) الإسراء23 _24 ، قال ابن عباس: لو كان هناك أدنى من الأف لنهى عنه.
قال القرطبي في تفسير هذه الآية: (أي لا تقل لهما ما يكون فيه أدنى تبرم، وعن أبي رجاء العطاردي قال: الأف الكلام الفَزَع الرديء الخفي، وقال مجاهد: معناه إذا رأيت منهما في حال الشيخ الغائط والبول الذي رأياه منك في الصغر فلا تقذرهما وتقول أف، والآية أعم من هذا، والأف والتف وسخ الأظفار.
ثم قال: خص حالة الكبر لأنها الحالة التي يحتاجان فيها إلى بره، لتغير الحال عليهما بالضعف والكبر، فألزم في هذه الحالة من مراعاة أحوالهما أكثر مما ألزمه من قبل، لأنهما في هذه الحالة قد صارا كلاً عليه، فيحتاجان أن يلي منهما في الكبر ما كان يحتاج في صغره أن يليا منه، ولهذا خص هذه الحالة بالذكر، وأيضاً فطول المكث للمرء يوجب الاستثقال للمرء عادة، ويحصل الملل ويكثر الضجر، فيظهر غضبه على والديه، وتنتفخ لهما أوداجه، ويستطيل عليهما بدالة البنوة وقلة الديانة، وأقل المكروه ما يظهره بنَفَسِه المتردد من الضجر، وقد أمر أن يقابلهما بالقول الموصوف بالكرامة، وهو السالم عن كل عيب).
ب. بعد وفاتهما: أما بر الأبوين المسلمين بعد وفاتهما فيكون بالآتي:
1.   الدعاء والاستغفار لهما.
2. قضاء ما عليهما من دين لله أوللآدميين مثل أن يحج ويعتمر عنهما إن لم يحجا ويعتمرا، وإخراج الزكاة عنهما إن وجبت عليهما وحال عليها الحول.
3.   تنفيذ وصاياهما.
4.   التصدق عنهما.
5.   صلة أرحامهما.
6.   صلة أهل ودهما.
جمع وإعداد
أ . باسمة بدر الجابري 
____________________
فضل وثواب بر الوالدين في الدنيا والآخرة
لقد وعد الله البارين بأبائهم وأمهاتهم بالخير الكثير والفضل العميم في الدنيا، والثواب الجزيل والأجر الكبير في الآخرة.
أولاً: ما يناله البار بوالديه في الدنيا:
1.   يُنسأ له في أجله - هذا بالنسبة لعلم المَلَكِ الموكل بكتابة الأجل.
2.   يُوسَّع له في رزقه - هذا بالنسبة لعلم المَلَكِ الموكل بكتابة الرزق.
3.   تُجاب دعوته.
4.   يبره أبناؤه وأحفادُه ويكافئونه.
5.   يحبه أهله وجيرانه.
6.   تدفع عنه ميتة السوء.
7.   يحمده الناس ويشكرونه.
8.   يرضى عنه ربه لرضا والديه عنه.

الأدلة على ذلك:
- عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر".
- وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أحب أن يبسط له في رزقه، ينشأ له في أثره، فليصل رحمه( رواه البخاري ومسلم.
- وعن معاذ بن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من بر والديه فطوبى له زاد الله في عمره".

ثانياً: فضل وثواب البارّين بوالديهم في الآخرة
1- البر من أقوى أسباب دخول الجنة.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:) رغم أنفه، رغم أنفه، رغم أنفه قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة).رواه مسلم والترمذي.
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الوالد أوسط باب الجنة، فإن شئتَ فاحفظ الباب أوضيِّع".
2- كونه من أحب الأعمال إلى الله: عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها. قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين. قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله . متفق عليه.
3- إن بر الوالدين مقدم على الجهاد في سبيل الله عز وجل: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: أقبل رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله تعالى، فقال صلى الله عليه وسلم: هل من والديك أحد حي؟ قال: نعم بل كلاهما. قال: فتبتغي الأجر من الله تعالى؟ قال: نعم. قال: فارجع فأحسن صحبتهما .متفق عليه وهذا لفظ مسلم وفي رواية لهما: جاء رجل فاستأذنه في الجهاد، فقال: أحي والداك؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد.
4- رضا الرب في رضا الوالدين: عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رضا الرب في رضا الوالدين، وسخط الرب في سخط الوالدين رواه الترمذي وصححه إبن حبان والحاكم.
5- في البر منجاة من مصائب الدنيا بل هو سبب تفريج الكروب وذهاب الهم والحزن كما ورد في شأن نجاة أصحاب الغار، وكان أحدهم باراً بوالديه يقدمهما على زوجته وأولاده.
6- مكفر للذنوب.
وروى أبو بكر بن حفص أن رجلاً قال: يا رسول الله، إني أصبت ذنباً عظيماً، فهل لي من توبة؟ قال: هل لك من أم؟ قال: لا؛ قال: هل لك من خالة؟ قال: نعم؛ قال: فبرهاوروي نحوه عن ابن عمر.
وقال مكحول: "بر الوالدين كفارة للكبائر، ولا يزال الرجل قادراً على البر ما دام في فصيلته من هو أكبر منه".
                           جمع وإعداد أ . باسمة بدر الجابري

***********************
البر بالأم من الرضاعة 


سمّى الله تعالى من النساء أماً امرأتين ؛ الأم الوالدة والأم المرضعة ، فقال سبحانه (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَة ) سورة النساء آية 23.
فإن هذا اللبن الذي أرضعته جرى من دمها وقُوتِها ، ونال من قُوّتِها حتى أنشز عظمه وأنبت لحمه ، مع حنوها إليه وعطفها عليه ، قال عليه الصلاة والسلام (لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم و أنشز العظم) (1).
وقال عليه الصلاة والسلام ( لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام )(2).
فالرضاع الذي في الصغر هو الذي ينشز العظم، يعني: ينبت به العظم ويكبر، وإنشاز العظام نموها ونباتها، كما في قوله: (وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا) [البقرة:259] ، يعني: ننميها وننبتها، وكذلك قوله: (أنبت اللحم) يعني: نبت اللحم على العظم بذلك الرضاع، فهذا هو الذي يحرم. وهو الذي يفتق الأمعاء أي يحصل به تغذيته وسد جوعته(3).
فكانت حقيقة بوصف الأم ، وجديرة بالبر والإحسان ، فعن حجاج بن حجاج عن أبيه قال قلت : ما يذهب عني مذمة الرضاعة ؟ قال ( الغرة عبد أو أمة )(4).
مذمة الرضاع : حقه وحرمته التي يُذم مضيعها (5).
دلّ الحديث على استحباب العطية للمرضعة غير الأجرة عند الفطام ، ومعنى قوله ( ما يذهب عني مذمة الرضاع ) أي ما يذهب الحق الذي تعلق بي للمرضعة لأجل إحسانها لي بالرضاع ؛ فإني إن لم أكافئها على ذلك صرت مذموماً  عند الناس بسبب عدم المكافأة(6).
وفي قوله ( الغرة عبد أو أمة) إشارة إلى عظم حق المرضعة على مَن أرضعته ؛ إذ لا يخفى غلاء ثمن العبد والأمة(7) . 
قال العلامة الطحاوي في بيان مشكل الآثار: [أن المرضعة يجب من حقها على من أرضعته ما لا خفاء به وأنها تصير بذلك له أماً في وجوب حقها عليه وقد قال رسول الله عليه السلام فيمن حقه دون حق الأم (لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه) فكان ذلك إخباراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذا الفعل من الولد بوالده جزاء له عما كان منه فيه بحق أبوته ، وكان حق المرضعة التي ذكرنا قد وجب على المرضع برضاعها إياه حتى صارت له بذلك أماً ، وحتى صار ما كان منها إليه سبباً لحياته وحقوق الوالدات على أولادهن فوق حقوق آبائهم عليهم ، ولما كان ذلك كذلك ولم يقدر المرضع على فكاك من أرضعه من الرق إذا كان غير رقيق أمر أن يعوضها من ذلك ما يقدر أن تفعل فيه العتاق الذي يكون به فداء لها من النار ](8).
فبادر أخي / أختي إلى البر بأمك من الرضاعة ، واعرف قدرها ، عسى أن تفِ حقها .

د . إلهام بدر الجابري


(1) أخرجه أحمد ح4114-1/432 قال شعيب الأرنؤوط : صحيح بشواهده وهذا إسناد ضعيف للإنقطاع بين والد أبي موسى الهلالي وعبد الله بن مسعود ، وأبو داود باب في رضاعة الكبير ح2062-2/180 قال الألباني ضعيف ، والطبراني في الكبير ح8500-91  
(2) أخرجه الترمذي ك الرضاع باب ما جاء أن الرضاعة لا تحرم في الصغر دون الحولين ح1162-2/311 وقال: هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وابن حبان ك الرضاع ذكر الخبر الدال على أن الرضعة والرضعتان لا يحرمان ح4210-6/214 . صححه الألباني في إرواء الغليل ح2150-7/221 .
(3) انظر : سبل السلام 3/214 ، فتح الباري 9/148 ، تحفة الأحوذي 4/263 ، عون المعبود 6/47 ، شرح عمدة الأحكام للشيخ ابن جبرين 65/5 .
(4) أخرجه أبو داود ك النكاح باب في الرضخ عند الفصال ح2064- 2/230 ، والترمذي ك الرضاع باب ما يذهب مذمة الرضاع ح1163-2/311 وقال هذا حديث حسن صحيح ، وابن حبان ك الرضاع ذكر البيان بأن قوله صلى الله عليه وسلم العبد والأمة ح4217-6/216
(5) انظر : النهاية في غريب الحديث والأثر 2/169 .
(6) انظر : نيل الأوطار 6/320 ، تحفة الأحوذي 4/264 ، عون المعبود 6/70 ، معالم السنن 3/161 .
(7) انظر شرح مشكل الآثار 2/130 .
(8) باختصار 2/131 .