الثلاثاء، 29 مارس 2011

لقيم في ضوء سورة الكهف ( 5-1)



القيم في ضوء سورة الكهف ( 5-1)

ذكر المفسرون في المناسبات في سورة الكهف أن قصة موسى والخضر عليهما السلام تتعلق بالهدف الأساسي لسورة الكهف من حيث الاستنكار على اليهود الذين زودوا وفد قريش بأسئلة تعجيزية ليتثبتوا –حسب زعمهم- من صدق محمد صلى الله عليه وسلم فيما جاءهم فسيقت لهم الحادثة؛ أن هذا المنهج ليس منهجاً صحيحاً في التثبت من صدق النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا موسى عليه السلام من أعظم أنبياء بني إسرائيل وأكرمهم على الله تعالى، قد جهل ثلاث مسائل واحتاج إلى من يعلمه إياها، ولم يؤثر ذلك على مكانته العظيمة وفضله وكونه من أولي العزم من الرسل.
فالقصة وثيقة الصلة –من هذه الزاوية- بهدف سورة الكهف وهو إثبات الرسالة وبيان صدق الرسول.
ما مدى صلة هذه القصة بالعنوان (القيم في ضوء سورة الكهف)؟
هذه القصة تمثل جانباً مهماً في الزاوية التي نتناول منها السورة، فهي تمثل قيمة العلم الحقيقية، وتسوق نموذجاً فريداً لما ينبغي أن يتحلى به طالب العلم والعالم من صفات، وحقيقة العلم الذي يحرص عليه وثمرته.
قصة أصحاب الكهف تناولت قيمة السلطة والسلطان.
قصة صاحب الجنتين تناولت قيمة المال
وهذه القصة تناولت قيمة العلم وحقيقته.
ما أوجه المناسبة بين هذا المقطع وسابقه؟
ذكر المفسرون أوجهاً كثيرة اكتفي بذكر واحد منها وثيق الصلة؛ ذكر في المقطع السابق بعض وسائل المعرفة في قوله تعالى (إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً)
إن وسيلة الإدراك الأصليه في الإنسان هو القلب الذي انفرد به الإنسان من بين سائر المخلوقات.
ونقصد بالقلب هو تلك الملَكَة المعنوية التي يستطيع الإنسان بواسطتها التمييز بين الحق والباطل والخطأ والصواب، وهي وسيلة التحليل والتركيب والاستنباط والإقناع، وهي التي جاء التعبير عنها باللب والعقل والفؤاد والقلب، وهي التي تأتيها الغشاوة والران، أو الإبصار والإشراق، وهي المرادة بقوله تعالى (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).
ولهذه الملَكة صلة وثيقة بالقلب المادي المكون من اللحم، وبالمخ في الرأس المكون من النخاع والأعصاب.
وهذا القلب يستمد معلوماته الأولية عن طريق الحواس الخمس وعلى رأسها السمع والبصر، فبعد ذكر وسائل المعرفة في المقطع السابق ذكر هنا علماً لا يخضع لوسائل المعرفة المعهودة عند الناس، وإنما هو علم من الله سبحانه وتعالى يقذفه في قلوب بعض عباده وأصفيائه؛ إما إلهاماً أو وحياً، لذا جاء تعظيم هذا العلم بإسناده إلى ضمير العظمة مع التأكيد عليه بالمؤكدات العديدة فقال (آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً).
سورة الكهف تشتمل على أربع قصص فريدة، وحتى قصة موسى عليه السلام تعتبر فريدة من وجه؛ لأنها تتعلق بالسيرة الذاتية لموسى عليه السلام وبمداركه العلمية وتلمَذَته على الرجل الصالح الذي علمه ربه من لدنه علماً، أما قصص موسى عليه السلام الأخرى فتدور حول أوضاع بني إسرائيل ومهمة تبليغهم رسالات ربه والمتاعب التي كان يقاسيها معهم.
والملاحظ أن أسلوب القرآن الكريم في كثير من قصصه إغفال جزئيات كثيرة إما لعدم تأثيرها في السياق والعبر المستقاة من القصة، أو تشويقاً للسامع وإفساحاً لمجال فكره وخياله كي يملأ تلك الفجوات بالاحتمالات التي تخطر على باله، وفي ذلك تنشيط للذهن وإثارة للتساؤلات لمتابعة الأحداث .
ويبرز هذا في قصة موسى والخضر عليهما السلام في صور مختلفة :
-      فالدافع لموسى عليه السلام في اتخاذ قرار بالسفر إلى مجمع البحرين لا وجود له في ثنايا القصة .
-      المكان الذي كان من الانطلاق مجهول، وكذلك مكان اللقاء بالعبد الصالح وزمانه ، وكذلك زمان الحادثة هل كان قبل خروج بني إسرائيل من مصر أو بعد الخروج ، وهل وقع قبل التيه أو أثناءه.
-      وهذا الفتى الذي رافق موسى عليه السلام من هو؟ ما دوره في مجريات الأحداث؟ وما مصيره بعد اللقاء؟
-            والعبد الصالح ما حقيقته؟ أ نبي مرسل؟ أو ولي مكرم؟ أو عالم مطلع؟ وما وجهته؟ وما مصيره بعد الفراق؟
ولولا أن السنة النبوية أكملت جوانب وألقت الأضواء على بعض التفصيلات لما وجدنا إلى العلم الصحيح سبيلاً .
يتبع في الحلقة القادمة ما جاء في السنة عن قصة موسى والخضر عليهما السلام
                                              بقلم/ د. وفاء العساف  
 

___________ 

 القيم في ضوء سورة الكهف
  ( 2-5)

ما ورد في السنة الصحيحة عن قصة موسى عليه السلام مع العبد الصالح:
جاء في صحيح البخاري عن سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عباس: إن نَوْفاً البكالي(1) يزعم أن موسى صاحب الخضر عليه السلام ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل، قال ابن عباس: كذب عدو الله(2)حدثنا أبي بن كعب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى لله عليه وسلم يقول: ( قام موسى خطيباً في بني إسرائيل فقيل له أي الناس أعلم ؟ قال أنا فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه وأوحى إليه بلى عبد من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك . قال: أي رب كيف السبيل إليه ؟ قال تأخذ حوتاً في مكتل فحيثما فقدت الحوت فاتبعه قال فخرج موسى ومعه فتاه يوشع بن نون ومعهما الحوت حتى انتهيا إلى الصخرة فنزلا عندها قال فوضع موسى رأسه فنام . قال سفيان وفي حديث غير عمرو قال وفي أصل الصخرة عين يقال لها الحياة لا يصيب من مائها شيء إلا حيي فأصاب الحوت من ماء تلك العين قال فتحرك وانسل من المكتل فدخل البحر فلما استيقظ موسى قال لفتاه { آتِنَا غَدَاءنَا } . الآية قال ولم يجد النصب حتى جاوز ما أمر به قال له فتاه يوشع بن نون { أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ } . الآية قال فرجعا يقصان في آثارهما فوجدا في البحر كالطاق ممر الحوت فكان لفتاه عجبا وللحوت سربا قال فلما انتهيا إلى الصخرة إذ هما برجل مسجى بثوب فسلم عليه موسى قال وأنى بأرضك السلام فقال أنا موسى قال موسى بني إسرائيل ؟ قال نعم قال هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا . قال له الخضر يا موسى إنك على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه وأنا على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه . قال بل أتبعك ؟ قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا . فانطلقا يمشيان على الساحل فمرت بهما سفينة فعرف الخضر فحملوهم في سفينتهم بغير نول يقول بغير أجر فركبا السفينة . قال ووقع عصفور على حرف السفينة فغمس منقاره في البحر فقال الخضر لموسى ما علمك وعلمي وعلم الخلائق في علم الله إلا مقدار ما غمس هذا العصفور منقاره قال فلم يفجأ موسى إذ عمد الخضر إلى قدوم فخرق السفينة فقال له موسى قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها { لَّقَدْ جِئْتَ } الآية فانطلقا إذا هما بغلام يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر برأسه فقطعه قال له موسى أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا - إلى قوله - فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فقال بيده هكذا فأقامه فقال له موسى إنا دخلنا هذه القرية فلم يضيفونا ولم يطعمونا لو شئت لا تخذت عليه أجر قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم وددنا أن موسى صبر حتى يقص علينا من أمرهما ) . قال وكان ابن عباس يقرأ وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا وأما الغلام فكان كافراً) (3).
من خلال العرض القرآني للقصة يمكن تقسيم القصة إلى أربع فقرات:
1- الانطلاق والبحث عن العبد الصالح.
2-اللقاء والحوار.
3- الصحبة الكريمة والأحداث العجيبة.
4-الفراق بعد تأويل التصرفات الغريبة.

(1) هو أحد القصاص بالكوفة وهو ابن امرأة كعب الأحبار، كان يهودياً من اليمن أسلم على عهد عمر بن الخطاب t ، وكان يروي عن كعب الإسرائيليات.
(2) قال ابن حجر في شرحه لعبارة ابن عباس (كذب عدو الله) محمول على إرادة المبالغة في الزجر والتنفير عن تصديق تلك المقالة. انظر فتح الباري 8/413.
ولم يكن نوف كذاباً في الحقيقة ولا كان عدواً لله ؛ لأنه كان مسلماً لكنه أخطأ في منهج تعامله مع القرآن حيث فسّره بكلام وأخبار السابقين ولم يلتزم المنهج العلمي في تفسير القرآن وفهم دلالته ولذلك زجره ابن عباس.
(3) صحيح البخاري ك التفسير باب سورة الكهف ح4450-4/1757، ومسلم باب من فضائل الخضر عليه السلام ح6313-7/103.

 
  

___________ 



القيم في ضوء سورة الكهف 

( 3-5)


أما القسم الأول: الانطلاق والبحث عن العبد الصالح
فقد قال الله تعالى (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا (64) )
أوضحت لنا السنة النبوية سبب رحلة موسى عليه السلام ، وأنه كان عتاب الله سبحانه وتعالى لنبيه موسى عليه السلام عندما سُئل هل في الأرض أحد أعلم منك؟ قال: لا ، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه سبحانه.
بالنسبة لمعاتبة موسى عليه السلام هناك احتمالان :
إنه نسي رد الأمر إلى الله سبحانه وتعالى , كما نسي غيره من الأنبياء والمرسلين:
كما نسي آدم عليه الصلاة و السلام , ونسي سليمان عليه السلام , ونسي محمد صلى الله عليه وسلم  .
(وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً)
لذا جاء هذا التنبيه أو العقاب الدنيوي حتى يقوم الأمر ويعدله , لأن الأنبياء أقوالهم أفعالهم وإقرارهم تشريعاً.
إن موسى عليه السلام عندما نفى أن يكون من الناس من هو أعلم منه .
إنما قصد الناس من أمته من بني إسرائيل وفي أمور الشرائع التي كلف بها ومن عند العلماء أن الرسول أعلم الناس بأمور الشرائع المنزلة عليه .
إلا أن الصلة القلبية للأنبياء بمصدر الوحي والعلوم الربانية تعطي لدائرة المدارك أفقا أوسع ودقة أبلغ , فكان العتاب الإلهي لأن صيغة  التعيير جاءت عامة من غير تخصيص ومطلقة من غير تقييد .
قال تعالى : (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ....)
أي لا أزال مسافراً وإن طالت عليّ الشقة , و لحقتني المشقة حتى أصل إلى مجمع البحرين وهو المكان الذي أوحي إليه أنك ستجد فيه عبداً من عباد الله العالمين عنده من العلم ما ليس عندك .
( أو أمضي حقباً )
أي مسافة طويلة : والمعنى أن الشوق والرغبة حمل موسى أن قال لفتاه هذه المقالة , وهذا عزم منه جازم فذلك أمضاه .
(فَلَمَّا بَلَغَا) أي هو وفتاه
(مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبا) وكان معهما حوت يتزودان منه ويأكلان وقد وعد أنه متى  فقدت الحوت فثم ذلك العبد الذي قصدته , فاتخذ ذلك الحوت سبيله , أي طريقه في البحر سربا .
(آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً)
أي لقد تعبنا من هذا السفر , ولم يشعر بالتعب إلا بعد أن تجاوزا غايتهما , فالشوق المتعلق بالوصول إلى ذلك المكان سهّل لهما الطريق .
(قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ....)
أي ألم تعلم حين آوانا الليل إلى تلك الصخرة المعروفة بيننا .
(فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ) أي انسرب الحوت في البحر .
(فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً)أي رجعا يقتفيان أثرهما إلى المكان الذي لقيا فيه الحوت فلما وصلا إليه وجدا عبدا من عبادنا وهو الخضر .
نستشف من افتتاحية الفقرة أن موسى عليه السلام كان قد تلقى أمرًا من ربه للذهاب إلى العبد الصالح ليتعلم منه بدليل هذا الجزم والتصميم (لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً) لو لم يكن الأمر واجبًا عليه فكان له في بني إسرائيل ما يشغله , ولما كان له أن يتركهم أحقابا من الزمان , وإذا أدركنا أن الحقب :فسر بالدهر , والحقبة الواحدة تبلغ ثمانين عاما وقيل أكثر
إذا علمنا ذلك علمنا أنه لا يكون ذلك إلا عند تكليف تكلف به .
وجود الحوت معهم : بينت السنة أنه جعل أمارة البلوغ واللقاء .
القصة مليئة بالمفاجئات وخوارق العادات التي تزيد جانب قصور العلم البشري و إحاطة المشيئة الإلهية وتصريف الشؤون .
الفتى مكلف بالخدمة والحراسة ومرافقة الحوت في المكتل .
نسي الفتى يوشع بن نون عودة الحياة إلى الحوت وخروجه إلى البحر وبقاء السرب في البحر  .
لا يشعران بالتعب والحاجة إلى الراحة والطعام إلا بعد مضي بقية اليوم وليلة كاملة من الحادثة .
عادا أدراجهما واستدلا على الصخرة التي أويا إليها بالنفق الذي تركه الحوت كالطاق في البحر وتماسك الماء عن الجريان عليه بمشيئة الله تعالى (فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً) .
العظات والعبر من فقرة الانطلاق والبحث عن العبد الصالح :
مشروعية الرحلة في طلب العلم .
من الأدب الإسلامي التلطف مع الخدم والعبيد , ومناداتهم بالأسماء المحببة .
وفي الحديث ( لا يقل أحدكم عبدي وأمتي وليقل فتاي وفتاتي )
في اصطحاب موسى عليه السلام لفتاه مشروعية اتخاذ الرفيق للاستئناس والإستعانة به عند الحاجة .
من شرط الرفقة في السفر أن يكون أحدهم أميرًا , وعلى الأمير أن يعلم صحبه عزيمته ومقصده ويخبر عن مدة مكثه في سفره / وفيه جواز التزود بوسائل الزاد وألوان الطعام عند السفر .
مما ينظم شؤون السفر ويخفف الأعباء ويزيد التلاحم والترابط بين المسافرين توزيع الأدوار والمهمات إلا أن الجميع يتضامنون في تحمل المسؤولية ولو كان الخطأ أو النسيان من فرد واحد , لذا نسب النسيان إلى موسى وفتاه وان كان حصوله من الفتى (فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا) .
في نسيان الفتى حادثة عودة الحياة إلى الحوت , وانسلاله من المكتل واتخاذ السرب في البحر وعدم جرية الماء على هذا السرب وكلها خوارق في هذا النسيان , تنبيه رباني على أن كسب العلم لا يتم إلا بإرادة الله ومشيئته , كما أن ثبوته وبقاءه لدى الإنسان لا يتم إلا بإرادته ومشيئته مهما بذل الإنسان من جهد وحرص على ذلك .
في نسبة النسيان إلى الشيطان أدب قرآني رفيع وهو تنزيه الله تعالى عن إسناد فعل المكروهات والمحقرات وغير ذلك إليه , علما أن الفاعل الحقيقي لكل ذلك هو الله سبحانه وتعالى , لا خالق ولا فاعل على الحقيقة سواه , وهو من قبيل (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) .