الثلاثاء، 18 أكتوبر 2011

ذل المحبة وذل المعصية

ذل المحبة وذل المعصية

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبد ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
 
أعظم ذل يتذلل به الإنسان لله هو ذل المحبة, لأن هذه المحبة متولدة من معرفة الله بأسمائه وصفاته وربوبيته, ولهذا اتخذ الله تبارك وتعالى خليلين: إبراهيم ورسول الله  : صلى الله عليه وسلم (لو كنت متخذا أحدا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن الله اتخذني خليلا ) (1) فهذه الخلة نتجت من معرفة  بربه, لما رأته عائشة -رضي الله عنها- يكثر العبادة والطاعة والذل والانكسار بحيث يجعل سجوده يقارب قيامه-وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد- فلما رأت منه عائشة-رضي الله عنها- كثرة الركوع والسجود -كل هذا يدل على الانكسار والذل لله فقالت: « أتصنع هذا وقد غفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر» فقال «أفلا أكون عبدا شكورا »(2) هذا نسميه ذل المحبة, فكل ما ازداد معرفة بربه ازداد ذلا له.

ولا يصل لكمال ذل المحبة إلا بعلمين:

-
علم بالله وبأسمائه وصفاته وربوبيته.
-
وعلم بنفسه وفقرها وافتقارها واحتياجها.
.
إذا حقق الإنسان هذين العلمين حصل كمال الذل والمحبة لله


 أما الذل الثاني: وهو ذل المعصية, وهذا لا يكون إلا للعبد الذي لا تزال شرارة الإيمان حية في قلبه مع ضعفه وهذا ناجم عن معرفة الإنسان بأن الله  إن تخلى عنه هلك, ونفسه تملك من الشر الشيء الكثير.

 يتولد الذل من خوف الإنسان أن يتخلى الله عنه, وعلمه برحمة الله وعفوه ولطفه بعبده, فقد يحصل في بعض الأحيان للعبد من العبودية لله بسبب المعصية ما لا يحصل له بالطاعة, فما من اسم ولا صفة لله إلا وللعبد فيه عبودية, فالافتقار لله يعود على الإنسان بالخير ولو في حال المعصية, « يذنب العبد فيقول إي ربي» فتلك اللحظة يحصل للإنسان ذل وافتقار لله تبارك وتعالى, فيقول الله : «علم عبدي أن له ربا يغفر الذنوب»(3) ثم يجلس ما شاء الله ثم يذنب فيقول: " إي ربي ظلمت نفسي .." فكلما كان الإنسان عارفا بالله حقق عبودية في كل حركاته وسكناته.
قائم على الصبر كما قال :  «الصبر ضياء »(5) أي يضيء للإنسان طريق العبودية لله لأن حياة الإنسان كلها قائمة على الصبر, رضا بالقضاء والقدر, قيام على الطاعة وصبر على المعصية؛ وكيف لا يصبر العبد ويعلم أن ما يجريه عليه من قضاء وقدر إنما هو من عند العليم الخبير الرؤوف الرحيم؛ ونحن نصبر على أبسط الناس ممن نحبهم نصبر على أذاهم, فكيف لا يصبر الإنسان وهو يعلم أن الذي يجري عليه هذا هو العليم الخبير.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)- 
أخرجه مسلم في " صحيحه " حديث(2383)- /4) 1855.
(2)-
أخرجه مسلم في " صحيحه "حديث(2820) -) 4/2172
(3)-
أخرجه مسلم في " صحيحه "حديث(2758)-)4/2172.
(4)-
سورة-الزمر-الآية 10.
(5)-
أخرجه مسلم في " صحيحه " حديث(223) - /1)
203.

هنا