السبت، 3 سبتمبر 2011

النِّيَّة نيَّتان




بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في

الشرح الممتع الجزء الأول باب الغسل



والنِّيَّة نيَّتان:

الأولى: نِيَّة العمل، ويتكلَّم عليها الفقهاء ـ رحمهم الله ـ،

لأنها هي المصحِّحة للعمل.


الثانية: نِيَّة المعمول له، وهذه يتكلَّم عليها أهل التَّوحيد،

وأرباب السُّلوك لأنها تتعلَّق بالإخلاص.


مثاله: عند إرادة الإنسان الغسل ينوي الغُسْل فهذه نِيَّة العمل.

لكن إذا نَوى الغُسْل تقرُّباً إلى الله تعالى، وطاعة له، فهذه نيَّة

المعمول له، أي: قصَد وجهه سبحانه وتعالى، وهذه الأخيرة هي

التي نَغْفُلُ عنها كثيراً، فلا نستحضر نيَّة التقرُّب، فالغالب

أنَّنا نفعل العبادة على أننا ملزَمون بها، فننويها لتصحيح

العمل، وهذا نَقْصٌ، ولهذا يقول الله تعالى عند ذِكْرِ العمل:

(
إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى ) {الليل: 20}

و(
وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ
وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ
السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ
) {الرعد: 22}

و (
لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ
وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ
) {الحشر: 8} .



وهنا 


*************************  

  ثلاثة معان عظيمة جليلة كثيرا نغفل عنها ... ابن عثيمين رحمه الله

قال الشيخ العثيمين رحمه الله في شرح الحديث 23 من الأربعين النووية:

يكون القرآن حجة لك إذا نصحت له، ويكون حجة عليك إذا لم تنصح له.
مثال ذلك: قول الله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ )(البقرة: الآية43) هنا رجلان: أحدهما لم يقم الصلاة فيكون القرآن حجة عليه، والثاني أقام الصلاة فيكون القرآن حجة له.
ورجل آخر لم يؤت الزكاة فالقرآن حجة عليه، والثاني آتى الزكاة فالقرآن حجة له.

وبهذه المناسبة أودّ أن أذكّر نفسي وإيّاكم بمسألة مهمة وهي:

كلنا يتوضّأ إذا أراد الصلاة، لكن أكثر الأحيان يريد الإنسان أن يقوم بشرط العبادة فقط، وهذا لابأس، ويحصل به المقصود، لكنْ هناك شيء أعلى وأتم:

أولاً: إذا أردت أن تتوضأ استشعر أنك ممتثل لأمر الله في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)(المائدة: الآية6) حتىيتحقق لك معنىالعبادة.

ثانياً: إذا توضأت استشعر أنك متبع رسول الله ،فإنه قال: "مَنْ تَوَضّأَ نَحْوَ وُضُوئي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ"[1][160] حينئذٍ يكون الإخلاص والمتابعة .

ثالثاً: احتسب الأجر على الله عزّ وجل بهذا الوضوء، لأن هذا الوضوء يكفر الخطايا، فتخرج خطايا اليد مع آخر قطرة من قطرات الماء بعد غسل اليد، وهكذا البقية.

هذه المعاني الثلاثة العظيمة الجليلة أكثر الأحيان نغفل عنها،

كذلك إذا أردت أن تصلي وقمت للصلاة استشعر أمر الله بقوله: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) [البقرة:43] ثم استشعر أنك تابع لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: "صَلوا كَمَا رَأَيتُموني أُصَلي"[2][161] ثم احتسب الأجر،لأن هذه الصلاة كفارة لما بينها وبين الصلاة الأخرى، وهلم جراً.

يفوتنا هذا كثيراً ولذلك تجدنا- نسأل الله أن يعاملنا بعفوه - لانصطبغ بآثار العبادة كما ينبغي وإلا فنحن نشهد بالله أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولكن مَنْ مِنَ الناس إذا صلى تغير فكره ونهته صلاته عن الفحشاء والمنكر؟! اللهم إلا قليل، لأن المعاني المقصودة مفقودة.
اهـ



اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علمًا يا رب العالمين
 
وقال في شرح حديث 37:


أيضاً يتفاضل العمل بالإخلاص، فلدينا ثلاثة رجال: رجل نوى بالعمل امتثال أمر الله عزّ وجل والتقرب إليه، وآخر نوى بالعمل أنه يؤدي واجباً، وقد يكون كالعادة، والثالث نوى شيئاً من الرياء أو شيئاً من الدنيا.

فالأكمل فيهم: الأول، ولهذا ينبغي لنا ونحن نقوم بالعبادة أن نستحضر أمر الله بها، ثم نستحضر متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيها، حتى يتحقق لنا الإخلاص والمتابعة.



وقال في حديث 38:

أن الأعمال الصالحة تقرب إلى الله عزّ وجل، والإنسان يشعر هذا بنفسه إذا قام بعبادة الله على الوجه الأكمل من الإخلاص والمتابعة وحضور القلب أحس بأنه قَرُبَ من الله عزّ وجل. وهذا لايدركه إلا الموفقون، وإلا فما أكثر الذين يصلون ويتصدقون ويصومون، ولكن كثيراً منهم لايشعر بقربه من الله، وشعور العبد بقربه من الله لاشك أنه سيؤثر في سيره ومنهجه.

......

ولكن اعلم أن هذا الجزاء والمثوبة على الأعمال إنما هو على الأعمال التي جاءت على وفق الشرع، فما كل صلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وما كل نافلة تقرّب إلى الله عزّ وجل، أقول هذا لاتيئيساً ولكن حثّاً على إتقان العبادة وإكمال العبادة، حتى ينال العبد الثواب المرتب عليها في الدنيا والآخرة.

ولذلك كثير من الناس يصلّون الصلوات الخمس والنوافل ولايحس أن قلبه نفر من المنكر، أو نفر من الفحشاء، هو باقٍ على طبيعته. لماذا هل هو لنقص الآلة، أو لنقص العامل؟

الجواب: لنقص العامل.

 
 
 


~~~~~~~~~~~~~~~~~~


كلمة في النيّة


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :ـ

في كل قول وعمل  نيتان :
الأولى :  تحدد ماهية العمل .

 والثانية : هي نية الاحتساب ــ  قصد الصواب ــ ويقال لها نية الإخلاص .

فمثلا يريد إنسان  أن يصلي ، فلابد له من نيتان الأولى تحدد ماذا سيصلي ، فرض أم نفل ، وإن كان فرضا فأي فرض ظهر أم عصر أم مغرب [1]؟ وإن كان نفلا فوترا أم راتبة أم قيامُ ليل ... ؟ وهكذا .

وإن كان صوما تحدد أي صوم هو ؟ فرض أم نفل ؟ وإن كان نفلا  فاثنين وخميس أم من الثلاثة البيض أم عاشوراء ؟ وهكذا .
وقل مثل ذلك في باقي الأشياء .

هذه هي النيّة الأولى  . . . تُميز العمل .

والنية الثانية هي نية الإخلاص .  هي التي يتوقف عليها  أجر العامل ،  وصحة عمله من بطلانه ، وقبوله من رده  ( فكم من شخصين يصليان خلف إمام واحد وصفٍ واحد وبينهم كما بين السماء والأرض بالنية  )[2]

يقول شيخ الإسلام بن تيمية (العبد قد يأتي بالحسنة بنية وصدق وإخلاص تكون أعظم من أضعافها . كما في حديث صاحب البطاقة الذي رجحت بطاقته التي فيها : " لا إله إلا الله " بالسجلات التي فيها ذنوبه . وكما في حديث البغي التي سقت كلبا بموقها[3] فغفر الله لها . وكذلك في السيئات )[4]
ولم يَنَلْ مهاجر أم قيّس شيئا من هجرته مع أنه أتى بالوصف الظاهر للهجرة تماما كغيره ، ذلك لتخلف النية الثانية وهي قصد الثواب ... نية الاحتساب والمتابعة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقد هاجر  للزواج من أم قيس ولم يهاجر لله ورسوله .
وبهذا يفهم قول السلف ( إن الأعمال تتفاضل بما في القلوب ) . وقول بعضهم عن أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ــ ( ما فضلهم بصلاة ولا صيام ولكن بشيء وقر في قلبه ) .

 والحاصل أن مع كل عمل سؤالان :
الأول : ماذا أعمل ؟
والثاني : لماذا أعمل هذا العمل ؟

فعلى كل عامل أن يستحضر الاحتساب ـ طلب الأجر ــ وأن يستحضر  المتابعة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما يقول ويفعل . فيكون مخلصا لله في عمله متبعا للنبي ـ صلى الله عليه وسلم .

فائدة : قد تستقل النية الثانية .

النية وحدها قد تكون عبادة يثاب المرء عليها  أو يعاقب  دون أن يأتي بعمل ، وذلك إذا كانت عزما ــ وليس مجرد هَمّ ــ وعَجَزَ صاحبها عن الفعل ، فهو يثاب بنيته أو يعاقب[5] . دليل ذلك ما ورد في حديث  أبي كبشة الأنماري  " إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ "[6]
والشاهد أن (  أجر من عقد العزم على أنه لو كان له مال أنفق منه في الخير وأجر من له مال ينفق منه سواء  )[7]

وعند البخاري من حديث أبي بكرة ــ رضي الله عنه ــ ( إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ قَالَ إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ ) [8]

يقول شيخ الإسلام بن تيمية معلقا على الحديثين : ( بهذا يظهر معنى قوله صلى الله عليه وسلم : { إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار } . فإن المقتول أراد قتل صاحبه فعمل ما يقدر عليه من القتال وعجز عن حصول المراد وكذلك الذي قال : لو أن لي مثل ما لفلان لعملت فيه مثل ما يعمل فلان فإنه أراد فعل ما يقدر عليه وهو الكلام )[9]



-------------------------------------------------
[1] من العلماء من قال بأنه تجزئ الفرد  نية فرض الوقت دون أن يحدد . 
[2] من قول بن عثيمين ــ رحمه الله ــ في بعض فتاويه .
[3] الموق هو الخف . كلمة فارسية معربة .انظر لسان العرب 10/350 . وعند أبي داود في كتاب الطهارة / 131 من حديث بلال رضي الله عنه عن صفة وضوء النبي ـ صلى الله عليه وسلم قال : ( كَانَ يَخْرُجُ يَقْضِي حَاجَتَهُ فَآتِيهِ بِالْمَاءِ فَيَتَوَضَّأُ وَيَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَمُوقَيْهِ ) أي خفية .
[4] الفتاوى 11/ 660 ط . مجمع الملك فهد .
[5] اعترض بعضهم على هذا بما جاء في الصَّحِيحَيْنِ { إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ } وبما في الصحيحين من حديث أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ { : إذَا هَمَّ الْعَبْدُ بِسَيِّئَةٍ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةً وَاحِدَةً وَإِذَا هَمَّ بِحَسَنَةِ كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً ; فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ وَفِي رِوَايَةٍ فَإِنْ تَرَكَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً ; فَإِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّائِي } .
( والفصل في ذلك أن يقال : فرق بين الهم والإرادة " فالهم " قد لا يقترن به شيء من الأعمال الظاهرة فهذا لا عقوبة فيه بحال بل إن تركه لله كما ترك يوسف همَّه أثيب على ذلك كما أثيب يوسف ، ولهذا قال أحمد : الهم همان : هم خطرات ، وهم إصرار  ) . انظر الفتاوى ج 7 / 526 .
فالكلام في النص أعلاه على الإرادة الجازمة التي لا يملك صاحبها شيء من الأسباب وإن ملك هذه الأسباب نفذ ما عزم عليه .   وراجع إن شئت ما كتب شيخ الإسلام في ذلك في الفتاوى ج 10 / 736 .
[6] سنن الترمذي كتاب الزهد / 2247 ، واللفظ له ، وعند بن ماجه .كتاب الزهد / 4218 ، وعند أحمد في مسند الشاميين / 17339 .
[7] راجع شرح الحديث في تحفة الأحوذي
[8] البخاري كتاب الإيمان / 30
[9] الفتاوى . ج 7 / 526 .