السبت، 17 مارس 2012

شرح دعاء اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل...




شرح دعاء: "اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل..."
خطبة جمعة بتاريخ / 14-5-1423 هـ

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليماً كثيرا .
أما بعد أيها المؤمنون عباد الله : أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ، فإن تقوى الله جلّ وعلا هي خير زادٍ يبلِّغ إلى رضوان الله ، وهي وصية الله للأولين والآخرين من خلقه ، وهي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ، وهي وصية السلف الصالح فيما بينهم .
ثم اعلموا - رحمكم الله - أن الدعاء مفتاح كل خيرٍ في الدنيا والآخرة ، وأتمُّ الدعوات وأكملها وأجمعها لأبواب الخير وسبل الفلاح دعوات النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ؛ فإنها مشتملةٌ على غاية المطالب العلية ونهاية المقاصد الرفيعة ، ومن يتأمل أدعية النبي الكريم صلى الله عليه وسلم المطلقة والمقيدة يجدها كذلك ، ولهذا - عباد الله - جدير بعبد الله المؤمن أن يتعرف على أدعية النبي صلى الله عليه وسلم وأن يحفظها وأن يحافظ عليها لينال خيرها وبركتها وثمارها العظيمة في الدنيا والآخرة .
عباد الله : وفي هذه الوقفة نتأمل في دعاءٍ عظيم ثابتٍ عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كان يقوله صلى الله عليه وسلم في كل مرة يخرج فيها من بيته ؛ روى أهل السنن الأربعة وغيرهم عن أم المؤمنين أم سلمة هند المخزومية زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها أنها قالت : ((مَا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْتِي قَطُّ إِلَّا رَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ : اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ ، أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ ، أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ ، أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ )) .
عباد الله : هذا دعاءٌ عظيم كان يواظب عليه نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم في كل مرة يخرج فيها من بيته كما هو واضح في كلام أم المؤمنين رضي الله عنها .
وقولها : ((إِلَّا رَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ)) ؛ في هذا الإيمان بعلو الله جلّ وعلا ورفعته على خلقه جلّ وعلا ، وأنه مستوٍ على عرشه بائن من خلقه ، وفي هذا أيضاً - عباد الله - مراقبة الله جلّ وعلا واستحضار اطلاعه ورؤيته لعباده ، وأنه لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السّماء ، وكم هو جميل في العبد المؤمن أن يستحضر في كل مرةٍ يخرج منها من بيته رؤية الله له واطلاعه عليه وعلمه بحاله وأنه لا تخفى عنه خافية ؛ وكل هذا مستفاد من رفع الطَّرْف إلى السماء فإن في هذا استحضارٌ لرؤية الله جلّ وعلا .
ثم - عباد الله - إن من يخرج من بيته لا بد له من الاحتكاك بالناس ومعاشرتهم والخلطة بهم ، والناس أصناف عديدة : منهم المحسنُ ، ومنهم المسيء ، ومنهم ما بين ذلك ؛ ولهذا من يخرج إلى الناس ويحتك بهم ويخالطهم لابد وأن تسبب هذه المخالطة والمعاشرة أنواعاً من الأمور أو المخالفات التي ينبغي عليه أن يحذرها وأن يحذر من الوقوع فيها ، وقد جمعها النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الدعاء العظيم الجامع .
عباد الله : إن المسلم في كل مرة يخرج فيها من بيته ينبغي عليه أن يستحضر هذه المعان الأربعة الواردة في هذا الحديث العظيم ، وأن يحذرها غاية الحذر ، وأن يسأل الله جلّ وعلا أن يعيذه منها ((اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ ، أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ ، أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ ، أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ )) ، في كل مرة تخرج فيها من بيتك ينبغي أن تحذر من الوقوع في شيء من هذه الأمور الأربعة : الضلال ، والزلل ، والظلم ، والجهل ؛ وكلها خطيرة وموبقة ومهلكة للعبد إذا وقع في شيء منها ، وهي قد تقع من العبد تجاه الآخرين ، وقد تقع من الآخرين تجاهه ، وقد اشتمل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على الاستعاذة من هذه الأمور الأربعة سواءً في وقوعها من العبد تجاه الآخرين ، أو في وقوعها من الآخرين تجاهه .
وقوله عليه الصلاة والسلام : ((اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ)) فيه سؤال الله جلّ وعلا أن يجنِّبه الضلال وهو ضد الهداية ، سواءً أن يضل بنفسه بأن يوقعها في شيء من الذنوب أو أنواعٍ من المخالفات ، أو يُضلَّ غيره من عباد الله المؤمنين ، وقوله (( أو أُضَلَّ )) أي أن يضلني غيري ، فقد يخرج الإنسان من بيته آمناً مطمئنا لا يريد شراً ولا يطلب غواية فيلقاه أحد المضلِّين في طريقه فيُضلُّه عن سواء السبيل ويصرفه عن الجادة السَّوية ، ولهذا سُنَّ للمسلم إذا خرج من بيته أن يستعيذ بالله من أن يضل هو في نفسه ، أو يُضل غيره ، أو أن يُضلَّه غيره عن سواء السبيل .
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ)) ؛ الزلل : هو السقوط والهوي من حيث لا يشعر الإنسان ، والمراد بقوله : " اللهم إني أعوذ بك أن أزل " أي أن أقع في الذنب أو الإثم أو المخالفة من حيث لا أشعر ، وقوله :   "أو أُزَلَّ" : أي أن يفعل بي أحد ذلك ؛ بأن يوقعني في الزلل ويوقعني في التهلكة .
وقوله في هذا الدعاء : ((أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ)) ؛ الظلم - عباد الله - : وضع الأمور في غير مواضعها ؛ بالاعتداء على الناس في أموالهم أو أشخاصهم أو أعراضهم أو غير ذلك . وقوله " أن أَظلِم" : أي أن يقع مني الظلم تجاه الآخرين سواءً في أموالهم أو أعراضهم أو أشخاصهم أو غير ذلك . وقوله " أو أُظلَم" : أي أن يتعدى عليَّ أحد من الناس بأي نوع من أنواع الظلم ؛ فهو يسأل لله جلّ وعلا أن يجنبه ظلم الآخرين وأن يجنبه ظلم الآخرين له، فلا يظلِم أحدا ولا يظلمه أحد .
وقوله في هذا الدعاء: ((أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ)) أي أن أفعل مع الناس فعل الجهلاء وطريقة السفهاء من السب والسخرية والاستهزاء وغير ذلك ، أو أن يفعل معي أحدٌ شيئا من ذلك ؛ فهو يتعوذ بالله من أن يَفعَل فعل الجهلاء أو أن يُفعَل به فعل الجهلاء .
فهذا - عباد الله - دعاءٌ عظيم كان يقوله نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم في كل مرة يخرج فيها من بيته ، فعلينا - عباد الله - أن نقتدي بنبينا الكريم عليه الصلاة والسلام وأن نترسَّم خطاه وأن نسير على نهجه ؛ فإنه خير النهج وأتم الهدى .
عباد الله : وعندما يدعو المسلم بهذا الدعاء العظيم عليه أن يبذل الأسباب العظيمة التي يتحقق بها نيل المقصود وتحقيق المراد ؛ فأنت إذا قلت هذه الكلمات فإنك بذلك تكون قد دعوت الله ، واستعنت به ، والتجأت إليه، وفوضت أمرك إليه سبحانه ، ثم يجب عليك بعد ذلك أن تبذل الأسباب بأن تبتعد عن هذه الأمور وأن تحذر غاية الحذر من الوقوع فيها . وإنا لنسأل الله جلّ وعلا أن يعيذنا وإياكم من الضلال ، اللهم إنا نعوذ بك أن نَضِل أو نُضَل أو نزِلَّ أو نُزَلَّ أو نظلِم أو نظلَم أو نجهَل أو يُجهل علينا إنك سميع مجيب . هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية :
الحمد لله عظيم الإحسان ، واسع الفضل والجود والامتنان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليماً كثيرا .
أما بعد عباد الله : اتقوا الله تعالى وراقبوه في السر والعلانية مراقبة من يعلم أن ربه يسمعه ويراه .
ثم اعلموا – عباد الله - أن مخالطة الناس والاحتكاك بهم تولِّد أنواعاً من الأمور التي ينبغي على العبد أن يكون في حيطة من الوقوع فيها ، وذلك - عبادَ الله - إنما يكون بمراقبة الله والالتجاء إليه والاعتماد عليه وحده وتفويض الأمور إليه سبحانه ، ولهذا ثبت في حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد من يخرج من منزله أن يقول : ((بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ )) ، وبيَّن عليه الصلاة والسلام أن من قال ذلك فإنه يُهدَى ويُكفَى ويُوقَى ولم يقرَبْهُ شيطان .
عباد الله : وهذه الكلمات كُلَّها توكلٌ على الله واعتمادٌ عليه وتفويضٌ للأمور إليه سبحانه وتعالى ، وهذا - عباد الله - فيه دلالة على أن العبد لا غنى له عن ربِّه طرفة عين في كل شأن من شؤونه وفي كل أمر من أموره . فنسأل الله جلّ وعلا أن يجعلنا وإياكم من المتوكِّلين عليه حقا ، من المؤمنين به صدقا ، من المستعيذين به في كل أمر صغير أو كبير إنه تبارك وتعالى خير مسؤول وأعظم مأمول جلّ وعلا.
ثم عباد الله : اعلموا أن الله تبارك وتعالى أمركم بالصلاة والسلام على نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم فقال جلّ وعلا : )إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً( [الأحزاب:56] ، وقال صلى الله عليه وسلم : ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا)) .
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد . وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .
اللهمّ أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، اللهم انصر من نصر الدين ، اللهم انصر إخواننا المسلمين في كل مكان ، اللهم انصرهم في فلسطين وفي كل مكان ، اللهم انصرهم نصراً مؤزرا ، اللهم أيِّدهم بتأييدك واحفظهم بحفظك يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم وعليك باليهود الغاصبين المجرمين المعتدين فإنهم لا يُعجزونك ، اللهم مَزِّقْهم شر ممزق ، اللهم ألق الرعب في قلوبهم وشتت شملهم وخالف كلمتهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام .
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى ، وأعنه على البر والتقوى ، وسدده في أقواله وأعماله ، وألبسه ثوب الصحة والعافية . اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك واتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، واجعلهم رأفةً ورحمة على عبادك المؤمنين .
اللهم آت نفوسنا تقواها زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها ، اللهم اغفر لنا ذنبنا كله دقه وجله أوله وآخره سره وعلنه ، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا أنت المقدم والمؤخر لا إله إلا أنت . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادةً لنا في كلِّ خير والموت راحةً لنا من كل شر . اللهم أصلح ذات بيننا وألِّف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام وأخرجنا من الظلمات إلى النور ، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقواتنا وأزواجنا وأموالنا وذرياتنا واجعلنا مباركين أينما كنا . اللهم اجعلنا شاكرين لنعمك مقرِّين لك بها مستعملين لها في طاعتك يا حي يا قيوم ، ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
عباد الله : اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه وآلائه يزدكم ، ) وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ( .

الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر