ما معنى وأصلح بالهم
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
معنى صلاح البال
00:00:46
عباد الله:
يقول ربنا سبحانه وتعالى في سورة محمد: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْسورة محمد2، وتكفير السيئات ثواب أخروي عظيم ينبني عليه دخول الجنة والوقاية من النار، وهذا نتيجة الإيمان والعمل الصالح.
فما معنى قوله: وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ، ما هو البال؟ وما معنى صلاح البال؟ وما قيمة هذه القضية حتى جعلها مكافئة ونعيماً لمن آمن وعمل صالحاً؟ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ، هل سألت نفسك يا مسلم يا عبد الله مرة وأنت تمر بهذه الآية في الختمة وَأَصْلَحَ بَالَهُمْما هو صلاح البال؟
البال، قال العلماء: هو الأمر، وقالوا: هو الحال، وقالوا: هو الشأن، وقالوا: هو القلب، وقالوا: هو النية، أصلح شأنهم، أصلح حالهم، أصلح نيتهم، أصلح قلوبهم، أصلح عقولهم ونفوسهم، البال في اللغة هو الحال والشأن، فماذا سيترتب على صلاح الحال والشأن، وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ، إذا صلح حالك -يا أخي المسلم ويا أيتها الأخت المسلمة-، إذا صلح الحال صلحت الحياة والأمور، حصل الفوز والفلاح، حصلت الراحة والطمأنينة، حصلت النعمة والنعيم النفسي، استقام الأمر ورضي القلب واستمتع الإنسان بالحياة، وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ، سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْسورة محمد5-6، نلاحظ أن صلاح البال في الآية الأخرى معطوف على الهدى، وصلاح البال إذن يحتاج إلى سلوك سبيل الله سبحانه وتعالى، هل هناك ناس بالهم مشتت، بالهم معسر، بالهم معكر؟ نعم، كيف ينتقل الإنسان من تعكير البال وتعسير الحال إلى صلاح البال وتيسير الحال؟ الجواب مذكور في قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْسورة الرعد11، فإذا رأيت نفسك مزاجك معكر، إذا رأيت حالك معسر فلا بد من إجراء تغيير، ما هو التغيير؟ حسب الآية الأولى: الإيمان، العمل الصالح، الهداية في الآية الأخرى.
أسباب صلاح الحال
00:04:18
إذن لا بد من البحث في أسباب صلاح الحال، من ذلك:
- تحسين العلاقة مع الله، (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه)، فإذن الفرائض أولاً، الطريق واضح، والمعالم نيرة، ماذا بعد الفرائض، (وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)[رواه البخاري6502]، فإذن النوافل بعد الفرائض.
- تقوى الله، أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِسورة يونس62-64، إذن المؤمن يا إخواني أطيب الناس عيشاً وأنعمهم بالاً وأشرحهم صدراً، وأسرهم قلباً، يدخل جنة الدنيا قبل أن يدخل جنة الآخرة، وفي الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة؛ لأن الإيمان، والعمل الصالح، والاستقامة، والذكر، وحسن العلاقة مع الله لا بد أن تنتج نعيماً، لا تظنن يا مسلم أن قول الله: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍسورة الإنفطار13، نعيم الآخرة فقط بل هنالك نعيم في الدنيا وهو هذا راحة البال وصلاح الحال، إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍسورة الإنفطار13نعيم في الدنيا قبل أن يدخلوا نعيم الآخرة، نعيم الدنيا هو انشراح الصدر، اللذة النفسية، ليس نعيم الدنيا دائماً في القصور والمراكب والمآكل اللذيذة، هذا يحصل لكثير من الناس ثم ينتحرون، فلماذا ينتحر بعض أصحاب الثروات؟ لأنهم لم يذوقوا نعيم الدنيا، الذي هو راحة البال وصلاح الحال، وطمأنينة النفس، وانشراح الصدر ونور القلب، هذه معان لا يعرفها غير المسلم، وكيف سيعرفها وهو لا يركع لله، ولا يسجد، ولا يذكر، ولا يتلو له كتاباً، لا يعرف حلالاً وحراماً، وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَسورة البقرة45، الصلاة هذه الصلاة من جنة الدنيا فعلاً، وذكر الله من نعيم الدنيا حقيقة، الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُسورة الرعد28.
كان لأحد الصحابة ورد فيه أدعية وأذكار له، فسمع النبي عليه الصلاة والسلام مرة يذكر فضل الصلاة عليه، فقال أبي: يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ من الورد هذا، قال: (ما شئت)، قلت: الربع؟ قال: (ما شئت، وما زدت فهو خير لك)، قلت: النصف؟ قال: (ما شئت، فإن زدت فهو خير لك)، قلت: فالثلثين؟ قال: (ما شئت، فإن زدت فهو خير لك)، قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ كل الورد أجعله صلاة عليك، قال: (إذن) في هذه الحالة، (تكفى همك ويغفر لك ذنبك)[رواه الترمذي2457]، رواه الترمذي وهو حديث حسن صحيح.
- من أسباب صلاح الحال: القناعة بالرزق، صلاح البال هذا والهدوء والطمأنينة، لا يتأتى إلا بأن يقنع الإنسان بما قسم الله له، (من أصبح منكم آمناً في سربه، معافىً في بدنه، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا)
من أسباب صلاح الحال: القناعة بالرزق، صلاح البال هذا والهدوء والطمأنينة، لا يتأتى إلا بأن يقنع الإنسان بما قسم الله له، (من أصبح منكم آمناً في سربه، معافىً في بدنه، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا)
، أمن وعافية في البدن وطعام اليوم، هذا كل ما يحتاجه الآن لهذا النعيم الدنيوي، ولذلك قال: (فكأنما حيزت له الدنيا)[رواه ابن ماجه4141]، وبعض الناس لا يقنعون بما قسم الله، لماذا عند فلان ما ليس عندي؟ ليس عندي ما عند فلان، لماذا؟ وأيش معنى فلان؟ وكيف سينزع، إذا لم أكن أستطيع الحصول عليه فهل يمكن نزعه من فلان حتى أرتاح؟ هكذا يفكرون في سلوك سبيل الراحة، نزع النعمة من فلان وفلانة، ليرتاح هو، لماذا؟ لأن النفس قلقة، لماذا؟ لأنها لم ترض بما قسم الله.
هل كان النبي عليه الصلاة والسلام يدعو بشيء فيه من هذا القبيل في قضية صلاح البال؟ نعم، (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين)[رواه النسائي في الكبرى 10330]، قوله: (أصلح لي شأني كله) هو موضوعنا، البال هو الشأن والحال، (أصلح لي شأني كله)، وكذلك قال: (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي)[رواه مسلم2720]، فمرة للدين، ومرة للدنيا، والثالثة للآخرة، ركز على الآخرة، وعلى الدين، والدنيا ستأتي تبعاً، واعمل للدنيا بالأسباب نعم، لكن لا تجعل جل الوقت للدنيا، ولا أكثر العمل للدنيا، ولا غالب سعيك للدنيا، وإنما اجعل الغالب والأكثر والنسبة الأكبر للدين والآخرة، ألا تراه قال: (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي) صلاح الدنيا مهم، (التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي)، صلاح البال مذكور في الأذكار المتبادلة بين المسلم وإخوانه، أين يا ترى مذكور هذا؟ شيء يحصل من كل واحد منا ولا بد، فيدعو له أخوه بصلاح البال، إنه موجود في العطاس، (إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله، وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله، فإذا قال له: يرحمك الله، فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم)[رواه البخاري6224]، كأننا أحياناً ننتبه إلى معاني الأذكار لأول مرة، كيف؟ لأننا أحياناً لا نتدبر في الأذكار فيأتينا المعنى كأننا نسمعه لأول مرة، عجباً، الموضوع موجود في أذكار العطاس، يهديكم الله ويصلح بالكم، اليهود كانوا يتعاطسون عند النبي عليه الصلاة والسلام ليقول للواحد منهم: يرحمكم الله، فيقول: (يهديكم الله ويصلح بالكم)[رواه الترمذي2739]، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام كان يفوت عليهم هذا، فلا يقول لليهودي: يرحمك الله، يتعاطسون عنده يرجون أن يقول: يرحمك الله، فيقول: يهديكم الله ويصلح بالكم، لكن الهداية عندنا، وصلاح البال عندنا، وليست عند اليهود.
- عباد الله صلاح البال يمكن أيضاً الحصول عليه من صلاة الاستخارة عند الحيرة، الإنسان يريد أن يتخذ قرارات في هذه الحياة، خطبة امرأة، الإقبال على وظيفة، تسجيل في جامعة، شراء بيت، انتقال من بلد إلى بلد قرارات كثيرة، قال: (إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة)[رواه البخاري1166]يعني ممكن تكون سنة راتبة، يقول الدعاء قبل السلام أو بعد السلام ثم ليقل ويذكر الدعاء، دعاء صلاة الاستخارة هذا من أسباب راحة البال، أياً ما كانت النتيجة تقول: أنا استخرت ودعوت ربي، ولو جاء الأمر في بادئه وفي ظاهره على خلاف ما تشتهي لا ضير، وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْسورة البقرة216، وكذلك فإن راحة البال مجموعة في حديث (من كانت الآخرة همة جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همة جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأت من الدنيا إلا ما قدر له)[رواه الترمذي2465].
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا في راحة بال، وأحسن حال، إنه هو الرحيم المتعال، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله مالك الملك، ذي الجلال والإكرام، الحي القيوم، الرحيم الرحمن، العزيز الديان، مالك الملك رب السماوات والأرض، أشهد أن لا إله إلا هو الحي القيوم، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، أمينه على وحيه، ومصطفاه من خلقه، الشافع المشفع، وحامل لواء الحمد يوم الدين، إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله الطيبين وأزواجه وذريته وخلفائه الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى
يوم الدين.
فوائد صالح البال
يا عبد الله ريِّح بالك بأن يكون حبك لله، وخوفك لله، ورجاؤك لله، وتوكلك على الله، واستعانتك بالله، والتجاؤك إلى الله، إذا أعطيت أعط لله، وإذا منعت امنع لله، أخلص لله، واتبع أمر الله، فكن لله وبالله وعلى الله، لله العمل والإخلاص، بالله الاستعانة وعلى الله التوكل، ولذلك بعض الناس يقول: أنا أثق بنفسي، لا، الثقة بالله، أنت تعمل الأسباب، ما عندك التردد، وما عندك التواكل وما عندك الآفات النفسية، لكن الثقة بالله وليست بالنفس، كن واثقاً بربك لا بنفسك ولا بغيرك، الأشخاص الذين يعملون الصالحات والعبادات يقول: حتى الأطباء النفسانيون الذين أجروا التجارب: بأنهم في حال نفسية أحسن وأفضل، لماذا؟ بعدما قاموا بالعينات والتجارب والتقسيمات، قالوا: هذه المجموعة التي تقوم الليل وتتهجد وتذكر وتدعو وتتلو الكتاب العزيز هذه بالاستقراء الطبي والتحليل النفسي أن الوضع أحسن، هو القضية لا تحتاج إلى استقراء طبي وتحليل نفسي؛ لأنه قد جاء في الحديث (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً ومحمدٍ نبياً)[رواه مسلم34]؛ لأنك عندما تثق بالله يا عبد الله أنت مطمئن أن تدبير الله لك خير من تدبيرك لنفسك، واختيار الله لك خير من اختيارك لنفسك، ورضاك بما قدَّر الله وقضى سبحانه وتعالى هو مبتغاك، لا تريد غير ذلك أبداً، ولأجل هذا سينشرح صدرك، وتعرف معنى عبارة السلف: مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها. ما هو أطيب ما فيها؟ هذا طمأنينة القلب، انشراح الصدر، لذة النفس بالقرب من الله وبمناجاته سبحانه وتعالى، وأن الله يجمع لهم شملهم ويرضيهم بما آتاهم، ويفرغ عليهم صبراً، وينزل عليهم السكينة، ويغشاهم بالرحمة، وينزل الملائكة لتحفهم، ويكون معهم بمعيته، وأن الله مع المؤمنين، وأن الله يدافع عن الذين آمنوا، إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُسورة الأنفال11قالها للمؤمنين في بدر، هذه الأشياء من الذي يذوقها؟ الذي يتصدر قائمة أثرى أثرياء العالم ليسوا من المسلمين، الذين يتصدرون القائمة، الأوائل ليسوا من المسلمين، وسيموتون ويخرجون من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها، قطعاً يا عباد الله، وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًاسورة النور55، هذه محرومين منها، مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةًسورة النحل97، هذه محرومين منها، إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍسورة الإنفطار13محرومين منها، هكذا إذن يذهبون ويخرجون من الدنيا ما ذاقوا أطيب ما فيها.
كان بعض السلف لما سئل يعني: لماذا أنت في نعيم وهدوء بال؟ قال: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، وكان قلبي سليماً للمسلمين.
كان الفقيه أبو إسحاق الشيرازي نزع عمامة له بعشرين ديناراً ونزل يتوضىء في نهر دجلة فجاء لص فأخذها، وترك عمامة رديئة بدلها، فطلع الشيخ فلبس العمامة، وما شعر حتى سألوه في الدرس
كان الفقيه أبو إسحاق الشيرازي نزع عمامة له بعشرين ديناراً ونزل يتوضىء في نهر دجلة فجاء لص فأخذها، وترك عمامة رديئة بدلها، فطلع الشيخ فلبس العمامة، وما شعر حتى سألوه في الدرس
، لما يكون القلب ما هو متعلق بالدنيا هذه قضية لن تجلب الكآبة الآن، فقالوا له: يا شيخ أخذت عمامتك وسرقت وهذه بدل، فقال، انتبه، قال: لعل الذي أخذها محتاج.
وهكذا يا إخواني يكون حال المؤمن، وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّسورة الأعراف43مبني على أنه في الدنيا كان يبيت وليس في صدره غل على أحد، وهذه مشكلة من مشاكل اليوم أن كثيراً من الناس عندهم حسد أو غل أو بغضاء أو حقد أو غيرة، فلذلك لا يرتاحون، غير مرتاح، نتيجة أحد هذه العوامل، واذكروا يا عباد الله هذا الكلام، أكثر أسباب المشكلات العائلية هذه القضية، لماذا فلان عنده وليس عندي؟ حقد، بغضاء، كره، وهكذا، هذا شيء طبيعي لمن لا يعمل بأمر الله سبحانه وتعالى، أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِسورة النساء54، هذه آية واحدة تحل القضية أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِسورة النساء54، إذن يا عباد الله ينبغي علينا أن نبتعد عن هذا الحسد وهذا الحقد، والغضب جمرة من جمرات الشيطان، وأيضاً الظلم؛ لأن الظالم لا يمكن أن يرتاح في النوم، أبداً، كيف سيرتاح في نومه وسهام الليل صاعدة، كيف؟
ظلم وزير امرأة فأخذ بيتها ومزرعتها، كما تقول كتب تاريخ الإسلام، فهددته أن تشكوه إلى الله، فقال مستهزئاً، لا تنسي الثلث الأخير من الليل، كثري في الثلث الأخير من الليل، فقامت تدعو عليه شهراً فابتلاه الله بحاكم فوقه، أخذه، وقطع يده، وسجنه، وكل يوم يخرجه ويضربه جلد، فمرت المرأة به فرأته فشكرته على وصيته، وقالت:
إذا جار الوزير وكاتباه *** وقاضي الأرض أجحف في القضاء
فويل ثم ويل ثم ويل *** لقاضي الأرض من قاضي السماء
ما يمكن الظالم أن ينعم براحة بال، والمظلوم يدعو عليه وعين الله لم تنم.
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا في نعيم في الدنيا والآخرة يا رب العالمين، أصلح بالنا وأصلح شأننا كله، اللهم إنا نسألك الراحة في الدنيا والآخرة.
اللهم إنا نسألك الطمأنينة في قلوبنا، والعافية في أبداننا، السعة في أرزاقنا، اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، اللهم إنا نسألك في ساعتنا هذه أن ترفع الظلم عن المسلمين، اللهم أهلك الظالمين، اللهم اقطع دابرهم وأشغلهم بأنفسهم، وشتت شملهم، وفرق جمعهم، واجعل دائرة السوء عليهم، اللهم إنا نستغيثك في ساعتنا هذه لإخواننا المسلمين المستضعفين في الأرض، وأنت تعلم ما نزل بهم من شدة وبلاء، أن ترفع عنهم البلاء، يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك في ساعتنا هذه أن تصلح حالنا وحال إخواننا المسلمين، اللهم إنا نسألك أن ترزقنا النعمة، اللهم إنا نسألك أن تحل علينا أمنك ورزقك وعافيتك يا رب العالمين، اجعل بلدنا هذا آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، آمنا في الأوطان والدور، وأرشد الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
1 - رواه البخاري6502.
2 - رواه الترمذي2457.
3 - رواه ابن ماجه4141.
4 - رواه النسائي في الكبرى 10330.
5 - رواه مسلم2720.
6 - رواه البخاري6224.
7 - رواه الترمذي2739.
8 - رواه البخاري1166.
9 - رواه الترمذي2465.
10 - رواه مسلم34.
تعليق
الشيخ سند بن علي بن أحمد البيضاني ( محب الاستخارة )
|
اليمن
|
25 محرّم 1433
أصلح الله بالكم ، وتتمة للفائدة لعلم من المفيد ذكر أحد الأسباب المباشرة والمهمة وهي العلاقة بين الاستخـــــــــارة وصلاح البال : فالاستخارة سبب من أسباب حصول صلاح البال ولو في الشيء المستخار فيه ، ويدل على ذلك دعاء الاستخارة في تقدير وتيسير الخير والمباركة فيه أو في صرف الشر عنك وصرفك عنه ؛ فالإنسان بطبعه إذا أصابه الخير فرح به واطمأن قلبه وصلح باله ، فكيف إذا كان مع ذلك حصول البركة ؟ ، فمن البركة ؛ حصول صلاح البال في الشيء المستخار فيه ، وكذلك بانصراف الشر عنك فإنك حينئذٍ تزداد يقيناً وشكراً وذكراً فيطمئن قلبك فيصلح بالك ، وكيف إذا كان مع ذلك أن صرفك عن الشر؟ - إذا كانت نفسك تهواه قبل الاستخارة - ، فكم من شر مصروف عنك وما أنت بصارف نفسك عنه ، قال تعالى : وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [ البقرة : 216]. وكلما أكثر العبد من الاستخارة ورأى ثمارها في زيادة حصول الخير أو زيادة الشر المصروف عنه، ازداد باله صلاحاً؛ حتى يصبح قلبه معلقاً بها ، فحينئذٍ فلن يقدم على شيء بإذن الله إلا بعد أن يستخير ربه .ومثل هذا الإكثار يدخل في عموم تتابع الحسنات وعلامة على حسن ضبطها وإتقانها وقبولها. هذا مايسر الله إذ استخرته والخير ما اختاره الله . عن كتاب : ((صلاة الاستخارة كيف تتقنها لتجد إيمانك )