تعريف القرآن في اللغة والاصطلاح
يسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله و كفى، و صلاة و سلاما على نبيه المصطفى و بعد:
فقد قادتني دراستي لمادة علوم القرآن إلى الوقوف على تعاريف القرآن الكريم، نظرت فيها فوجدت الإصابة في تفسير علمائنا الأجلاء رحمهم الله تعالى، مع تقصير كبير من طرفنا في فهم و تطبيق تلك التعريفات و إسقاطها على مستجدات العصر، لتتضح أكبر خصوصية لهذا الدين ألا و هي شموليته و صلاحيته لكل زمان و مكان، فأردت أن أسهم ولو بالقليل في سبيل توضيح و إماطة اللثام عن الحقائق الرفيعة التي يختص بها القرآن الكريم، محاولا بذلك تطبيقها على أرض الواقع، و هذا ما قد يميز هذا البحث عن باقي البحوث التي تناولت تعريف القرآن الكريم. و اليوم نبدأ من حيث إنتهى علماؤنا الأجلاء رحمهم الله تعالى جميعا فنعرف القرآن لغة و اصطلاحا :
لغة : هو مصدر على وزن “فُعلان” بضم الفاء و جاء في “مختار الصحاح” : “وقَرأ الكِتابَ قِراءَةً وقُرْءاناً بالضم. وقَرَأَ الشيء قُرْءاناً بالضم أيضاً جَمَعَه وضَمَّه “[1]، و في ” لسان العرب”: “وقَرَأْتُ الشيءَ قُرْآناً جَمَعْتُه وضَمَمْتُ بعضَه إِلى بعض”[2]، و جاء استخدام لفظ القرآن بهذا المعنى في قوله تعالى: ( إن علينا جمعه و قرآنه، فإذا قرأناه فاتبع قرآنه )[3] قال ابن عباس رضي اللّه عنهما: “فإِذا بيَّنَّاه لك بالقراءة فاعْمَلْ بما بَيَّنَّاه لك.” و يطلق أيضا عَلَمٌ لكلام الله جل و علا، و هذا هو الاستعمال الأكثر شيوعا و فيه قال تعالى : ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم)[4] .
” و ذكر بعض العلماء أن سبب تسمية هذا الكتاب قرآنا من بين كتب الله لكونه جامعا لثمرة كتبه، بل لجمعه ثمرة جميع العلوم، كما أشار تعالى إلى ذلك بقوله: ( و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء) و قوله تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء)”[5].[6]
كما أنه يطلق على كله و على بعضه، فإذا تلوت آية منه جاز أن يقال أنك قرأن قرآنا .
إصطلاحًا : قد لا نجد تعريفا واحدا اتفق عليه كل من عمل على هذا العلم إذ أنه كما قرر الزرقاني في ” مناهل العرفان” أن التعريف الاصطلاحي ثلاثة أنواع، الأول مطول، و الثاني متوسط، و الثالث موجز، فأما الأول فقولهم :” أنه كلام الله المعجز المنزل على النبي صلى الله عليه و سلم، المكتوب في المصاحف، المنقول بالتواتر، المتعبد بتلاوته)، و الثاني فمنهم من اقتصر على عرض لإنزال الألفاظ و للكتابة في المصاحف و للنقل بالتواتر فحسب، و الثالث فمنهم من اقتصر على وصفين : هما الإنزال و الإعجاز، منهم من اقتصر على وصفي النقل في المصاحف و التواتر.
و قد خاض المتكلمون و غيرهم في هذا التعريف، و أطنبوا فيه كثـــيرا[7]، “و القرآن الكريم يتعذر تحديده بالتعارف المنطقية ذات الأجناس و الفصول و الخواص، بحيث يكون تعريفه حدا حقيقيا، و الحد الحقيقي له هو استحضاره معهودا في الذهن أو مشاهدا بالحس كأن تشير إليه مكتوبا في المصحف أو مقروءا باللسان فتقول: هو ما بين هاتين الدفتين، أو تقول: هو من ( بسم الله الرحمان الرحيم، الحمد لله رب العالمين..) إلى قوله: ( من الجنة و الناس)”[8].
لكن لو أردنا أن نورد تعريفا للقرآن يقرب لنا معناه جاز أن نقول أنه “كلام الله المنزل على النبي محمد صلى الله عليه و سلم بواسطة جبريل عليه السلام، المتعبد بتلاوته، المعجز بألفاظه.” و اعتبارنا لهذا التعريف إنما جاء لكونه يجيب على عدة تساؤلات و شبهات أثيرت حول القرآن. و سنركز في جميع المقالات القادمة في موضوع علوم القرآن. على توضيح هذا التعريف و محاولة مقاربته في أرض الواقع ليغدو ملموسا حقا في حياتنا…