الاثنين، 19 يوليو 2010

نعم الله ظاهرة وباطنة


نعم الله الظاهرة والباطنة

قال الله تعالى
{ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً (20)} سورة لقمان.

وقال تعالى
{ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }
(18)سورة النحل.
إن الله سبحانه وتعالى أنعم علينا بنِعم كثيرة

لا تُحصى منها ظاهرة ومنها باطنة.
فمن النعم الظاهرة صحة الجسد من الحواس الخمس

وغيرها، والماء البارد.

يقال للمرء يوم القيامة

" ألم نصح جسمك ونسقك من الماء البارد "

فيجب على العباد أن يشكروا الله عز وجل عليها.

وأما الباطنة فأعظمها الايمان بالله وما يتبع ذلك من التسليم لله تعالى ومحبتِه والشوقِ اليه ومحبةِ أوليائه والعلم الديني.

والعلم يتوقف على أمرين : صحة القلب وصحة الدماغ فهما كنوز الشمس للعين فالعين تحتاج الى النور للرؤيا والنظر والانتفاع بنور الشمس في هذا المجال يعتمد على صحة العين.

وكذلك القلب والدماغ.

وأعظم هاتين النعمتين هي النعمة الباطنة التي هي الايمان.

وإنما ذكر الله سبحانه وتعالى النعمة الظاهرة قبل الباطنة لأن النعمة الظاهرة هي التي يعرفها أكثر الناس.

ومن الأدلة على أفضلية النعمة الباطنة على الظاهرة ما أخرجه الامام احمد عن عبد الله بن مسعود بالسند الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" ان الله عز وجل يُعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الدين إلا لمن يحب ".

فنعمة الايمان أفضل من نعمة الصحة والمال.

النعم الظاهرة

لو أخذنا نعمةً من النعم الظاهرة الدنيوية كنعمة المال فإنا نجدها تقسم الى قسمين : إحداهما محمودة العاقبة والاخرى عاقبتها وبال على العبد، كالنعم التي أنعم الله بها على الكفار فإنهم وإن تنعموا بها في الدنيا ولكنها في الآخرة وبال عليهم لأنهم يُسألون يوم القيامة عن الشكر عليها.

وحقيقة شكرهم عليها هو أن يؤمنوا بالله ورسوله ويؤدوا حق الله فيما رزقهم من نعمة المال والصحة وغيرهما.

أخي المسلم، إن المُعتبر عند الله ما يعمله العبد مما يوافق شرع الله. وهكذا فإن الكفار يُسألون يوم القيامة عن سائر الفرائض التي فرضها الله على عباده، ذلك أنهم لو آمنوا بالله ورسوله وأدوا هذه الفرائض على الوجه الصحيح لصحت منهم وقُبلت.

ولكنهم بتركهم لأعظم حقوق الله تعالى على عباده وهو توحيده تعالى وأن لا يُشرك به صارت أعمالهم التي يعملونها كالهباء المنثور.

ولما كان الكفار قد فاتهم هذا العمل فيما رزقهم الله من الاموال كانت نهاية تلك الاموال في الآخرة عليهم حسرة وندامة.

ومن الدليل على ذلك ما جاء في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت " يا رسول الله ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحمَ ويطعم المسكينَ فهل ذاك نافعه " قال : " لا ينفعه، إنه لم يقل يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين ".

أي أنه لم يكن على الايمان فكل أعمال ذلك الرجل التي عُرف بها من الاحسان الى الاقارب والارحام واكرام الغريب كل ذلك ضائع لا ثواب له فيه يوم القيامة مع احتمال أن هذا الرجل عبد الله بن جدعان كان من اهل الفترة الذين لم يسمعوا بدعوة الرسل فيعفون من العذاب لقوله تعالى { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15)} سورة الاسراء.

فكيف الامر بهؤلاء الكفار الذين سمعوا بدعوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فعاندوا وكذبوا دعوته وأنكروا نبوته وقاتلوه وصحبَه.
فلا شك أنهم من أصحاب النار.

وكذلك هذا الغلام الذي كان يهودياً يخدم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، عادَهُ رسولُ الله وقال له : " قل لا إله إلا الله محمد رسول الله " فنظر الى ابيه فقال له أطع أبا القاسم" فنطق بهما فقال رسول الله : " الحمد لله الذي أنقذه بي من النار".

أيحسب الانسان أن يترك سدى

يقول الله سبحانه وتعالى { أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى (36) } سورة القيامة. أي ان الله لم يخلق الخلقَ ليكونوا كالابل التي ترعى بلا راع بل خلقهم ليأمرهم بأداء الواجبات واجتناب المحرمات ليجعل جزاء المطيعين له في هذه الدنيا النعيمَ المقيم الدائم في الآخرة.

فاعلم أخي المسلم أن مِنْ أسعد الخلق في هذه الحياة من وُفِّقَ لامتثال أمر الله تعالى فأدى الواجبات واجتنب المحرمات.

قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8) } سورة البيِّنة.

هؤلاء هم أسعد الخلق لأن الله رضي عنهم كما انهم راضون عنه. ورِضَى الله تعالى صفة من صفاته ليست كرضى الخلق.

وأما رضى العبيد عن ربهم فذلك أنهم آمنوا واستسلموا لقضائه وسلَّموا الامر له فلم يعترضوا على الله في أمر من الامور التي تصيبهم.

طوبى للصابرين المسلمين

إن هؤلاء الذين استسلموا لقضاء الله إن أصابتهم فاقة لا يعترضون على الله وإن أصابتهم مصيبة في أبدانهم لا يعترضون على الله وإن أصابتهم في أهليهم لا يتسخطون على الله ولا يسبون الخالقَ العظيمَ هم مؤمنون حقا، وهذا معنى رضى العباد عن ربهم وهم على مراتب فبعض الصالحين بلغ بهم الحال الى أنهم يفرحون بالبلايا كما يفرح غيرهم بالعطاء والرخاء.

وبعد أن مدحهم الله بأنهم خير البرية أي خير ما خلق من بشر يخبرنا بما وعد هؤلاء العباد المؤمنين المتقين مما هو وعد مُنجز لهم بأن لهم في الحياة الثانية جنات تجري من تحتها الانهار وأنهم خالدون فيها أي لا يموتون فحياتهم مستمرة الى غير نهاية، جعلهم باقين بقاء لا يتخلله فاقة ولا بؤس ولا مرض ثم أكد بيان حالهم بقوله تعالى { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8) } سورة البيِّنة.

النعيم في الجنة قسمان

واعلم أخي المسلم أن النعيم في الجنة قسمان : قسم يناله كل من دخل الجنة وهو أنهم ينعمون فلا يبأسون أبداً ويَحْيَون فلا يموتون أبداً ويكونون أصحاء فلا يمرضون أبداً ويكونون شباباً فلا يهرمون أبداً، ومن ذلك الانهار الاربعة: النهر الذي من حليب لا يفسد، والنهر الذي من ماء لا يتعفن، والنهر الذي من خمر لا يُخْبِلُ العقل ولا يُحدث صُداعاً، والنهر الذي هو من العسل المصفَّى.

والقسم الثاني يناله أهل الدرجات العلى وهو النعيم الذي لم يُطلع اللهُ عليه أحداً وهذا مأخوذ من قول الله تعالى في الحديث القدسي " أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر " رواه البخاري.

أخي المسلم، اشكر الله على نِعمِه الكثيرة الظاهرة والباطنة شكرًا حقيقيًا
بتأدية الفرائض واجتناب المحرمات عسى أن تكون من أصحاب هذا النعيم الخاص.

واعلم أن الصبر على طاعة الله أهون من الصبر على عذاب الله.

اللهم إنا نسألك حسن الختام والفوز بالجنة والنجاة من عذاب النار وأن نلقاك وأنت راض عنا.


منقول