أ.عمر سعيد دجال*
إنها لسعادة غامرة حقًا، تلك التي يعيشها قلب الداعية المؤمن حين يطرق سمعه نداء نبي الهدى له من وراء السنين: "لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير مما طلعت عليه الشمس".
إنها سعادة المستبشر الطامع في ذلك الثواب الجزيل الذي وعد الله جل وعلا به كل عامل نشيط أعطى المجهود من نفسه في دلالة الخلق على ربه، ولمثل هذه السعادة كان أحد الصالحين يقول:"إذا رأيت وجه مريد صادق قد أفلح على يدي شبعت وارتويت واكتسيت كيف خرج مثله من تحت يدي".
أجل، فهذا ريّ الداعية الصادق وذاك شبعه وتلك كسوته، يوم أن يوفقه الله في نقل مسلم من ركب الهوى والضلال، إلى رحاب الإيمان والالتزام، محدثًا بذلك اختلالاً في ميزان القوة بين أولياء الرحمن وحزب الشيطان،
ثم تتوالى الانتشالات تجر من بعدُ اختلالات، حتى يأتي ذلك اليوم الموعود الذي يشفي الله فيه صدور دعاة مؤمنين، فتطيش فيه كفة الباطل المزهوة أمام كفة الحق الراسخ التليد، كان ذلك في يقين الدعاة حتمًا مقضيًا "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ" (الرعد: 17).
ولكن دون هذا الأجر الجزيل وذاك النصر المأمول مفاوز وفلوات لا يجيد شق طريقها، والسير عبر دروبها إلا كل داعية بصير، ذو رأي سديد، وبصر حديد، تستقبل العقول الضمأء كلماته، وتحتضن القلوب الحيرى توجيهاته وتصويباته، القائمة على منهج الرحمة والتيسير، ...مستلهما كل ذلك من توجيه القرآن: "قُُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ" (يوسف:108).
تأتي هذه المقالة في إطار بيان دور الدعوة الفردية، وأسسها وأساليبها، ومراحلها.علَّها تكون خير دليل لمن يسلك هذا الدرب الصعب، أو يرنو إلى اقتحامه، وإنه يسير لمن يسَّره الله عليه.
1-أهمية الدعوة وضرورتها:
حاجة المسلم إلى توجيه أخيه المسلم وإرشاده حاجة لا تنقطع أبداً، وحاجة الأمة إلى تناصح أفرادها وتآزرهم بما يكفل لهم حفظ أمتهم ويستبقيها رفيعة العماد وطيدة الأركان، تُعدُّ أولى الاهتمامات، وأساس الضروريات.
هذا المدخل يفرض علينا طرح سؤال ملحِّ:من يتحمل عبء التبليغ والتوجيه والتعريف بالله ونبيه، وبالدين إجمالاً ؟
الجواب:إنها الأمة الإسلامية، فوظيفتها أن تدعم الخير، وأن تعلي من صوت المعروف، وأن تحمي قواعد الإيمان، وأن تجعل من كيانها موئلاً للفضائل، وأن تكره الآثام وتنكر لفاعليها، وتعقِّب على أخطائهم وخطاياهم بالتفنيد والرد. وظيفة هذه الأمة حراسة وحي السماء وإبقاء مناره عالياً يومض بالإشعاع الهادي كي يهتدي به السائرون في ظلمات البر والبحر: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون" (آل عمران: 104)، بل إن هذه الوظيفة هي دلالة الخيرية الواردة في الآية القرآنية: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" (آل عمران 110).
فكما جاء الرسول(ص) من عند الله معلما ومبشراً ونذيراً، وكما أخرج هذه الأمة من العمى إلى الهدى، فعلى أتباعه أن يشيعوا الحق الذي شرفوا به، وأن ينشروا الرسالة التي نزلت بينهم، وأن يكونوا جسراً تعبر عليه الهداية لتعم أرجاء الأرض "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً"(البقرة 143).
لقد فهم السلف الصالح هذه الوظيفة وأدرك أبعادها وجليل آثارها: فهم أن آداء الدعوة واجب، وأن إبلاغ رسالات الله حق، وأن حبس أنوار الإسلام عن التائهين والحيارى جريمة...فهموا كل هذا فانطلقوا ينشرون الخير ويوجِّهون الخلق ويرسمون للحائرين المنهج.
2-تعريف الدعوة الفرديَّة: عبارةٌ عن علاقةٍ موجَّهةٍ بين الداعي والمدعو قائمةٍ على الاحتكاك المباشر والاتصال القويِّ الذي يهدف إلى توجيه فكر المدعوِّ وسلوكه وفق المنهج الإسلاميّ.
فهي لا تحتاج إلى خطيبٍ بارع، ولا إلى عالمٍ فقيه، بل تحتاج إلى مسلمٍ ملتزمٍ بإسلامه فهماً وسلوكاً تمثَّل وصف الله تعالى لنبيِّه(ص): "عزيزٌ عليه ما عنتُّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم" (التوبة 128).
فالدعوة بهذا المفهوم كالمستشفى، تعالج المرضى بالمعاصي لا الأصحاء بالطاعات، فهل يُعقل أن يستقبل المستشفى الأصحاء ويترك المرضى! فالداعي كالطبيب، لا يعقل أن يعطي الدواء لصحيح وبترك مريضاً ؟ أو أن يقاطع الطبيب المريض لأنه مريض ؟!
إن العاصي مريض يتألَّم بالأضرار التي يجنيها من معاصيه (كذب، سرقة، زنا،...) ثم هو لا يجد من يلجأ إليه غير الدعاة، أفيلجأ إلى مريض مثله أو أكثر مرضاً ؟
لو قاطع كل الدعاة من يدعونهم، فمن يدعون إذن ؟وكيف ستصل دعوتهم للناس؟! إن الكل سيشقى-دعاة ومدعوين- لغياب نظام الإسلام في حياتهم.
3-ميزات الدعوة الفردية:
هناك ميزات عدة للدعوة الفردية كما يلي:
1- الدعوة الفردية توجِّه المدعو توجيهاً متكاملاً، فلا تقتصر على جانب واحد وتهمل الباقي، وهذا ما يُعرَف بالشمولية في التربية،فمن خلالها يمكن التنبيه على كثير من الأخطاء التي يقع فيها المدعو.
2- تُحدث الدعوة الفردية صلة بين المدعو والداعية مما يهيئ المدعو للاستجابة، بخلاف الدعوة الجماعية التي لا تواصل فيها في غالب الحالات.
3- بالدعوة الفردية يمكن الرد على كثير من الشبهات التي تُلْقى على مسامع الأفراد، والتي لا يمكن التحدث بها في الدعوة الجماعية.
4 - بالدعوة الفردية يمكن إيصال الحق إلى الذين نفروا- أو نُفِّرُوا- عن سماعه وعن مجالسة الدعاة.
5- الدعوة الفردية لا تحتاج إلى غزارة علم بقدر ما تحتاج إلى حكمة في الدعوة، فالطالب في مدرسته، والموظف في مكتبه، والعامل في مصنعه، وهكذا يمكن القيام بها في أي مكان وفي أي وقت، فهي تتميَّز بالحرية المطلقة في كل الحالات والظروف.
6- تُكسب الداعية خبرة ومعرفة بأحوال الناس، وتكسر الحاجز الوهمي الذي تضعه بين الناس.
7 - تتيح للداعية أن يطبق ما تعلمه من مفاهيم؛ كالصبر، والتضحية، وهي في نفس الوقت عملية بناء لشخصيته الاجتماعية.
4- عناصر الدعوة الفردية:
أ.الداعية:
1-الصلة بالله:فهي الدعامة الأولى في أخلاق"الدعاة"، إذ كيف تدعو الناس إلى أحد صِلاتك به واهية، ومعرفتك به قليلة.
فالداعية الذي يكرِّس أوقاته لله، ويدفع الناس إلى سبيله، لابد أن يكون شعوره بالله أعمق، وارتباطه به أوثق، ورقابته له أوضح. ومن الصلة بالله إعزاز كتابه ومداومة تلاوته وتدبر معانيه، فقرب الداعية من كتاب الله يجب أن يكون متعة لروحه، وسكنا لفؤاده، وإشعاعاً لعقله ووقودا لحركته، أضف إلى ذلك امتلاء القلب بخشية الله و تعظيمه، فقد اعتبره الله من صفات أهل الإيمان في قوله: "الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون" وقوله سبحانه: "الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله". وكان من حكم الأسلاف قولهم: " إذا سكن الخوف قلب المؤمن أحرق مواطن الشهوات"
2-إصلاح النفس:إن نفس الداعية ينبغي أن تكون حقل تجارب وإصلاحات، ومن النتائج المستفادة يعرف أفضل البذور، وأنسب الأوقات، وأجدى الأساليب.
ومن أعجب النقائض أن نجد من الدعاة من يحسب أن ما يقول لغيره من علم إنما هو أمر يخص المخاطبين فحسب، وقد يعني الناس أجمعين ولا يعنيه، فهو ناقل فقط، كالشريط المسجل أو الأسطوانة المعبأة، تدور بعض الوقت ليستمع الناس إليها، ثم تودع مكانها لتدار مرة أخرى إذا احتيج إليها.
3-الإخلاص: في حقيقته قوة إيمانية، تدفع صاحبه إلى التجرد من المصالح الشخصية، والترفع عن الغايات الذاتية، والقصد من العمل وجه الله –سبحانه-
وإذا كان الإخلاص فريضة على كل عابد وهو في محرابه الخاص، يتعامل مع ربه فحسب، فإن الأمر إذا اتصل بالدعاة يصبح فريضة أوكد، وعقيدة أوثق.
وضعف الإخلاص يعود إلى قلة المعرفة بالله، أو إلى سوء الظن به في مسائل الرزق والأجل. فالداعية المخلص يقوم بواجبه بدافع اليقين بالله، دون اكتراث برضا أو سخط، ودون تحرِّ لإجابة رغبة أو كبحها.
4-الشجاعة والجرأة والصبر والتفاؤل: قوى نفسية رائعة يستمدها الداعية من الإيمان بالله الواحد، ومن الحق الذي يعتنقه، ومن القدر الذي يستسلم له، ومن المسؤولية التي يستشعر بها.فهو مؤمن أن حق الله لابد أن يسود، وأن هديه لابد أن يعلوا وأن منهجه لابد أن تتضح معالمه وترسو دعائمه.
كل هذا يكسبه روحاً مقاومة للخور والاستكانة والضعف، وتجمِّله بالصمود والثبات أمام الفتن والشدائد، وأمام المحن والمكاره. ويجعله ينظر إلى الغد بابتسامة أمل، ويسير إلى الغاية المرجوة بروح القائد الشجاع، وبنفسية العزيز المنتصر، دون أن يعتريه يأس، أو يستحوذ عليه قنوط.
ولا بأس في هذا الإطار، أن نقف وقفة تأملية في قصة "صديق المستشفى"1 .وفي تجربة الدكتور عبد الرحمن السميط في إغاثة فقراء إفريقيا ، حتى تسمى بخادم فقراء إفريقيا2، كان متفائلاً محباً للخير، إيجابياً في فكره، حركياً في فعله، هكذا الدعاة الربانيون.
5-الثـقافة :تزوُّد الدعاة بالعدة الفكرية، والثقافة الدعوية، هي من أبرز خصائصهم، ومن أظهر ملامح نضجهم وقوة شخصيتهم.ومن المسلَّم به لذوي العقول والألباب أن الذي لم يكن عنده علم ولا ثقافة كيف يفيد غيره وينفعهم ويقوم بواجب الإصلاح والتغيير ؟ففاقد الشيء لا يعطيه، ومن لم يملك النصاب كيف يعطي أو يُزكِّي ؟ ويمكن أن نذكر هنا بعض الثقافات التي يجب على الدعاة امتلاك ناصيتها:الثقافة الإسلامية،الثقافة الإنسانية،الثقافة الواقعية.
ب.المـدعو:حتى نستطيع دعوة الآخر والتأثير فيه، لابد من معرفة شخصيته واهتماماته وظروفه، حتى نتمكَّن من تحديد الوسائل التي بها نستطيع فتح قلبه، والتأثير فيه، ونقل الالتزام إليه تدريجياً.
أ.شخصية المدعو(الأنماط الاجتماعية): و ويمكن تقسيمهم إلى أربعة أنماط:
الودي ....
هادئ ومساند ومتعاون.
مستمع جيـد.
يسهل مصاحبته.
يتجنبون الصراعات والمخاطر والقرارات السريعة.
التعبيري....
يقود الحديث ويحب المرح.
يحب الجمهور
يعبِّر بوضوح عن مشاعره ويشجِّع بحرارة.
يُضحِّي من أجل الآخرين.
التحليلي ....
مواظب في علاقاته مع الآخرين.
يدع الآخرين يأخذون زمام المبادرة.
نظامي يميل إلى الاستقلال
المنفرد .....
حريص على تحقيق النتائج.
مبادر وسريع الرد
يقود ولا يحب أن يقاد.
لا يتردَّد في تصحيح أو مواجهة الآخرين.
ب.اهتمامات المدعو: فقد يقابل الداعي المهتمَّ بالصحة، والمهتم بالأبناء، أو بالعلاقات الاجتماعية، أو بالعلم، أو بالشعر أو بالقصص...وهكذا.
ج.ظروفـه: فقد يقابل الداعية كثير العيال، أو من لا عمل له، أو المتزوِّج، أو الفقير، أو من له خلافات وظيفية أو عائلية أو مع جيرانه،...
فإذا ما حدَّد الداعية تقريباً شخصية المدعو واهتماماته وظروفه أمكنه التعامل معه بسهولة ويسر، وبأسلوب يؤتي نتيجة عاجلة ومؤثرة.
أمثـلة:
*إذا كان المدعو من نمط (المتفرِّد) فهذا يعني أنه لا يحب التفاصيل ولا الحديث المسترسل، بل يحب الدخول في لب الموضوع دون مقدِّمات، وهو إنسان عملي لا يحب تضييع الوقت، كما أنه يعتزُّ برأيه كثيراً
فعندما تبدأ معه الحديث بذكر مقدمات طويلة وعاطفية، فإنه يكره ذلك، ويتضايق، وربما يرفض ويملُّ الحديث.
ولكن عندما تشرح له باختصار، وتركِّز على النتائج وأثرها بالمنطق المقنع دون إطالة، فإن ذلك أدعى لقبوله.
*بخلاف التعبيري (العاطفي) الذي يحتاج إلى كثرة السؤال وعذوبة الحديث، والاسترسال فيه، مع التركيز على ما يثير العاطفة، ويؤجِّجها.
فالداعية يُنوِّع في أسلوب دعوته حسبما تقتضيه الظروف والأحوال حتى يُحسن عرض إسلامه لكل الناس على اختلاف طبائعهم، مراعياً في ذلك اختلاف البيئات عامة، فبيئة المجتمعات الغربية غير بيئة المجتمعات الإسلامية، وبيئة الحضر غير بيئة البدو.
ج.وسـائل الدعوة:
سنقف في هذا العنصر عند بعض الوسائل التي نستعين بها في أداء الدعوة الفردية، منهـا:
أ-القـدوة الحسنة:صلاح المؤمن وتقواه، هما أبلغ خطبة يدعو بها الناس إلى الإيمان، فخلقه الفاضل هو السحر الذي يجذب إليه الأفئدة ويجمع حوله القلوب.
ولا يكفي للمرء أن يتظاهر بالصالحات، أو يتجمَّل بالطيبات، فإن التزوير والتظاهر لا يصلح في ميدان الدعوة، ولابد أن ينكشف المخبوء على امتداد الأيام وطول المعاملة، وسرعان ما يبدو معدنه على حقيقته العارية.
لقد استحق المسلمون أن يتأسى بهم الناس، وأن يُقلِّدوهم في أعمالهم وأقوالهم يوم كانوا يُمثلون نهضة مجددة راشدة، والمعجب بك يذوب فيك، وهذا ما حدث للفرس والروم يوم زحفت عليهم جيوش المسلمين.
لكن من الغباء البالغ أن ننتظر من أحد أن يؤمن بفكرنا ويتأسى بأفعالنا عقب انتصار في معركة جدل، أو انتصار في ميدان حرب.فالمقهور في كلا الميدانيين قد يستسلم راضياً أو ساخطاً، غير أنه لن يتبعنا عن إخلاص.
ب-الترغيب:الحث على فعل الخير وأداء الطاعات وترشيد الخلق جاء في الكتاب والسنة مقروناً ببشريات كثيرة.وسنذكر جملة من أمثلة الإقناع بالترغيب:
1-عن طريق طلب الطاعة من الناس، لأن أمر الله يجب أن يطاع، فهو ولي النعمة:الخالق من عدم، المطعم من جوع، الكاسي من عري،المغدق للنعم بغير حساب،...فحقُّه إذا أمر أن نسارع إلى إجابته:"أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباءكم الأقدمون...يوم الدين" (الشعراء75-82) .
2-أن نطلب من الناس التحلي بمكارم الأخلاق، والتزام العدالة في الأحكام، ونغريهم بأن هذه الأشياء حسنة أمرنا الله بها، وهو لا يأمر إلا بالحسن:"إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعماَّ يعظكم به..." (النساء 58). وفي بيان أسرار ذلك الحسن يمكن أن نوضِّح معنى الخير في الصدق والعفة، أو في لصلاة والصوم.كاشفين حقيقة الوصايا الإلهية التي لا يمكن أن تنطوي على شر أبداً:"إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون" (الأعراف 28).
3-وقد نُرَغِّب الناس إلى الإيمان والعمل الصالح، لأنها سبيل العيش والطمأنينة وضمان الحياة السعيدة، والمرء بطبيعته يحب النفع العاجل فيستجيب.
وعندما نتأمل القرآن نجد بأن الإطماع بسعة العيش ويسر الرزق ينتقل في شتى الرسالات، فنوح يقول لقومه:"استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً..." (نوح 10-12).ثم يجيء الخطاب على لسان رسولنا(صلى الله عليه وسلم):"وان استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً..." (هود 3).
4-وقد ندفع الناس إلى الرضا بالمكاره واحتمال تكاليف الإيمان:بما قد ينتظرهم هناك في الدار الآخرة من نعيم مقيم ونزل كريم.فالدنيا منقضية لا محالة، إذ من الذي خلد قبلنا ؟
كما أن الألوان الزاهية التي اصطبغت بأوصاف الجنة، تجعل العاقل يستكثر من الخير ويدَّخر:"وإذا رأيت ثمَّ رأيت نعيما وملكاً كبيراً عاليهم ثياب سندس خضر واستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شراباً طهوراً إن هذا كان لكم جزاءً وكان سعيكم مشكوراً" (الإنسان 20-22).
وقد اطرد في القرآن والسنة نعت الجنة بما يجعلها أمنية المتقين، والترغيب في الصالحات بهذا النمط مفيد جداً.
جـ- الترهيب:فكما تقاد النفس عن طريق الرغبة، تقاد عن طريق الرهبة، فتكف عن الرذيلة وجلاً مما يعقبها من منغصات.وهذه بعض المسالك التي ينهجها الداعية في هذه الوسيلة:
1- قمع صورة اللذة المحرمة في نفس المذنب بتذكيره بذي الجلال، وكذا تخويف المستهين بالحقوق بذي لجبروت، الذي إذا سخط عليه خسف به، فالله -سبحانه- قوي عزيز، ذو انتقام. فالتخويف بالله حق، وأثره بعيد المدى، فالتاجر الذي يخشى الإفلاس بضاعف نشاطه،...ولذلك قال يحي بن معاذ:"مسكين ابن آدم لو خاف النار كما يخاف الفقر لدخل الجنة وترك المعاصي تهيباً من الله".فمن حق الله أن يُخشى ويهاب، وفي حكم الصالحين:" لا تنظر إلى صغر ما اقترفت، ولكن أنظر إلى عظمة من عصيت".
2- الترهيب بما في الآثام من قذارة وقبح:فقد يعمد الداعية إلى إبراز ما في معصية كذا من قذارة لا تليق بالإنسان العالي الشأن.فالإسلام يسمي المعاصي قاذورات، وينأى بالفطرة السليمة أن تقترب منها.
والمتأمل لأحوال العصاة والمجرمين يرى مسخاً غريبا في أنفسهم، حتى لكأنهم يتحولون إلى سباع فتكا وهتكا ووحشية، وإن ظلُّوا في زي البشر. فالمرء الذي يتمرَّن على الرذيلة ويواظب عليها تصل به إلى درك لا أمل بعده فس سلامة.
والكشف عما في الرذيلة من قبح، شائع في الكتاب والسنة، ومثال ذلك نصح الرسول (صلى الله عليه وسلم) للرجل الذي يحب الزنا، قال له:أترضاه لأختك، قال:لا،...
3- التخويف من المعصية ببيان ضررها في جسم الإنسان وأهله وولده:وبذلك ينزجر الإنسان عن اقترافها خشية ما يلحقه من بلائها.والواقع أن المعاصي مفتاح لمصائب فادحة، والرتع فيها يجر الويلات على الأفراد والجماعات:"وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير".
ولولا أن الله يمنح لخلقه فسحة ليقلعوا ويتوبوا لكان الجزاء السريع قد لحقهم:"ولو يُؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة...".ومن ذلك حديث النبي:«من زنى يُزنى ولو بجدار بيته».
4- التخويف بذكر الآخرة وما فيها من عذاب شديد:فبذلك نمنعهم عن ضروب الشر:"فكيف تتقون إن كفرتم يوماً يجعل الولدان شيباً..." (المزمل 17).وفي الحديث:"دخلت امرأة النار في هرة حبستها، فلا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض".
والتخويف بالنار ، ووصف صنوف العذاب المعدة للعصاة استغرقت جزءً كبيراً من الكتاب والسنة.
د.الأساليب والوسائل العملية: من الضروري أن يتعرَّف الداعية على الأساليب العملية الصحيحة في الدعوة الفردية، وأن يتدرَّب على الاستفادة منها واستخدامها عملياً، ومن جملة الأساليب ما يأتي:
1- الحوار المتبادل والنقاش المفتوح: فهو من أهم وسائل نقل المعاني والأفكار والمفاهيم، إذ يتيح للمدعو أن
يسأل ويستفسر عما لم يفهمه، ويعترض عما لا يقتنع به، ويكشف عما بداخله من شبهات وتساؤلات.
والداعية الموفَّق هو من كانت فكرته واضحة في ذهنه، بصورة مرتَّبة عميقة، لديه القدرة على مخاطبة المدعو، ونقلها إليه في سهولة، تتناسب مع مستواه الذهني والثقافي وقدرته على الاستيعاب.
ومن الأمثلة الجيدة للحوار المتبادل، ما جرى بين الرسول (صلى الله عليه وسلم) والحصين بن عمران
قال حصين: ما هذا الذي بلغنا عنك أنك تشتم آلهتنا وتذكرهم.
فقال: يا حصين، إن أبي وأبك في النار، يا حصين كم تعبد من إله ؟
قال: سبعاً في الأرض وواحداً في السماء.
قال النبي: فإذا أصابك الضر من تدعو ؟
قال: الذي في السماء.
فقال النبي: فإذا هلك المال من تدعو ؟
قال: الذي في السماء.
فقال النبي: فيستجيب لك وحده وتشركهم معه.
ثم قال له : يا حصين، أسلم تسلم.
قال:إن لي قوماً وعشيرة، فماذا أقول ؟
فقال النبي: قال اللهم أستهديك لأرشد أمري، وزدني علماً ينفعني.....فلم يقم حتى أسلم.
2-الخواطر والتعليقات: الدعوة ليس لها وقت محدد أو مكان معيَّن، ولكن حيث وجد الداعية المدعو تحت أي ظرف أو أي مكان، وجب أن يقوم بدعوته.
والداعية الموفق هو الذي يستطيع أن يربط كل شيء في الحياة بدعوته وفكرته، ويستفيد من كل موقف أو حدث..في لطف ورفق وحكمة.
ولنا في حياة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- مواقف كثيرة، منها هذا الموقف الذي يرويه عمر بن الخطاب –رضي الله عنه - قال: قُدم على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بسبي، فإذا امرأة من السبي تسعى، إذا وجدت صبياً في السبي فأخذته فألزقته ببطنها، فأرضعته فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):«أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار ؟ قال: لا والله، فقال:« لله أرحم بعباده من هذه بولدها».
نموذج عملي:
قرأ أحد الدعاة في جريدة هذا الخبر: "انتقل إلى رحمة الله فقيد الشباب...الطالب بمدرسة..." وعلَّق قائلاً:" سبحان الله...هو الموت، يأتي بغتة، ربما سبق إلى الشباب قبل الشيوخ، ألا نستعد للقاء الله، ألا نبادر بالتوبة، ترى هل مات هذا الشاب طائعاً لله أم عاصياً ومسوِّفاً...".
ففي الكون من حولنا، وفي واقعنا الذي نعيشه، وفيما ينشره الإعلام من أخبار وحوادث...في كل ذلك مادة خصبة تحتاج داعية له قلب حي وعقل يقظ، فيتأمَّلها ويُحسِن استلهام العبر منها.
3-المشاركة والمصاحبة والتفقد:
أ.المشاركة والمصاحبة: فتشارك المدعو في تنفيذ الواجبات، وتصاحبه في أداء الأعمال، ولا تكتفي بمجرد التوجيه والنصيحة، وهذا الأسلوب ضروري لغرس الالتزامات العبادية والسلوكية في نفس المدعو، وإعانته على أدائها وتشجيعه على الالتزام الدائم بها.
وقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يُكثر من استعمال هذا الأسلوب اما فيه من خير ونفع، فمما حُفظ عن علي بن أبي طالب قوله:" كثيراً ما كنت أسمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) يقول: «كنت وأبو بكر وعمر، وفعلت وأبو بكر وعمر، وانطلقت وأبو بكر وعمر».
ويُوجِّه النبي أصحابه إلى التخلق بهذا الخلق مع بعضهم البعض، حتى الزوج مع زوجته، وفي الأوقات التي تكون أدعى إلى التكاسل والتثاقل، فيقول: «إذا أيقظ الرجل أهله من الليل، فصلَّيا أو صلى ركعتين، كتبا في الذاكرين والذاكرات».
وفي تطبيق عملي رائع، يقول ابن عمر:" كنا جلوساً عند رسول الله(صلى الله عليه وسلم) إذ جاء رجل من الأنصار فسلَّم عليه ثم أدبر الأنصاري فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): يا أخا الأنصار، كيف سعد بن عبادة ؟ فقال: صالح، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): من يعوده منكم ؟ فقام وقمنا معه ونحن بضعة عشر...».وعلى هذا النهج سلك الصحابة، وبذلك الخلق اتسموُّا، فكانت الكلمة المأثورة عن كثير منهم: "اجلس بنا نؤمن ساعة"، ولعلها اشتهرت على لسان عبد الله بن رواحة، حتى قال فيه النبي (صلى الله عليه وسلم): «رحم الله ابن رواحة، إنه يحب المجالس التي تتباهى بها الملائكة».
ب.التفقد والتعهد: فتتفقد حال المدعو وتتعرف عليها عن واقع ومعايشة، وترى بنفسك مدى التزامه بالواجبات، وتحول المعاني والمفاهيم إلى واقع في حياته وسلوكه،فعن عبد الرحمن بن عوف، قال: افتقد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)رجلاً من أصحابه فقال:«أين كنت، فإني لم أرك، ألم تشهد الصلاة ؟» قال: بلى ولكني جئت وقد ثبت الناس فكرهت أن أتخطى رقاب الناس، قال:«أحسنت».وعن أبي موسى الأشعري أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال له: «لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود»، وفي رواية: أن رسول الله قال له: «لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة».
4-الوصايا العملية المتبادلة: لما كان الداعية لا يقضي وقته كلَّه مع المدعو ولا يستطيع ذلك، بل بقضي معه جزءً من الوقت، ثم ينصرف كلاهما إلى حياته وشؤونه، وجب ألا تنقطع تلك العلاقة بانتهاء اللقاء، بل تبقى آثارها حاضرة في ذهن المدعو، وذلك باستعمال أسلوب الوصية العملي.
وقد سنَّ النبي(صلى الله عليه وسلم) هذا الأسلوب، وتجلت آثاره في نفوس أصحابه والتزامهم بها حتى بعد وفاته، فهاهو معاذ بن جبل يروي وصية النبي له: «يا معاذ والله إني أحبك، أوصيك يا معاذ: لا تدعنَّ في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك».
ومن أمثلة الواجبات والتكاليف العبادية والسلوكية التي يمكن أن تكون محور تواصي وتعاهد والتزام، ما يـأتي:
* صلاة الفجر في جماعة.*صيام في الأسبوع.*الدعاء بظهر الغيب.*غض البصر.*الامتناع عن مشاهدة الأفلام والبرامج الهابطة* متابعة برنامج مفيد، أو درس، أو محاضرة في قناة.*الاستماع لشريط.*زيارة موقع...
إن اتباع الأساليب السابقة وتوظيفها، توجد للمنحرف بيئة طاهرة، تصله بخالقه، وتربطه بربِّه في كل آن.وذلك كفيل بتحجيم الانحراف في ذاته، وتقريبه من سُبل الإيمان رويداً رويداً.
5-مـراحل الدعوة الفرديـة:
نتناولها في هذا العنصر عن طريق تجربة واقعية في معالجة مدمن على المخدرات3، وآليات غرس القوة الذاتية فيه، وتحويله من الضلال إلى الهداية.
ويبقى تطبيق هذه المراحل يتفاوت على حسب درجة الانحراف، وإذا مثَّلنا بالمدمن، فلنقتنع بأن علاج المدمن ممكن، وعلاج من هو أقل منه خطورة ممكن من باب أولى.وقبل أن نفصِّل في المرحلة الأولى، يحسن بنا تعريف المدمن.
تعريف المدمن:لا تطلق كلمة "إدمان" إلا على إنسان تعوَّد تعاطي المخدرات إلى درجة لا يستطيع التخلي عنها وإذا ما تخلى عنها فإنه يشعُر ببعض الأعراض المرضية المؤلمة عدة أيام حتى يعود إلى حالته الطبيعية.
والمدمن في حالة إدمانه، مستعدٌّ للتخلي عن جميع القيم والأخلاق، وكل ما يتعلَّق بالدين، وهو مستعد للقيام بأي عمل في سبيل الحصول على مخدِّره، كالقتل، والسرقة، والخيانة،...هو في هذه الحالة، يعتبر من أكثر الناس هدماً وتخريباً للمجتمع، فكيف يتحوَّل مثل هذا الإنسان من مخرِّب إلى مصلح ؟
المرحلة الأولى( الحب والتعارف والتقارب):الهدف من التعارف إيجاد صلة بينك وبين المنحرف، وإيجاد علاقة طبيعية تمكِّنك من التواصل معه؛ وهذه الصلة في الغالب تكون متوفرةً بشكل طبيعي عن طريق الأقارب أو الجيران أو زملاء العمل، ومن خلالها يستطيع أن يوجد الداعية صلةَ تعارف مع المدعو، بحيث يشعره بأنه مهتم به، وذلك بتفقده ما بين الحين والآخر، والسؤال عنه إذا غاب وزيارته إذا مرض..، حتى إذا صارت القلوب متقاربةً والأرواح متآلفة، ووجد التهيؤ من المدعو لتقبل دعوة الداعية طرق الكلام فيما يريد، وليعلم الداعية أنه بقدر نجاحه في هذا المرحلة مع المدعو يكون التأثير والاستجابة للدعوة، وأي تسرُّع في هذا المرحلة قد يحدث النفرة من المدعو.. يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): «الناس كإبل مائة، لا يجد الرجل فيها راحلة»، فلكي تصل إلى بغيتك يجب أن تكون لك نظرة فيمن حولك، فلذلك بدأ الرسول(صلى الله عليه وسلم) أول ما بدأ بأبي بكر، الذي ما لبث أن تعلَّم الدرس وراح يتحرك، فتخير مجموعةً غدوا من العشرة المبشرين بالجنة.
ولنجاح هذه المرحلة، اسلك هذه الخطوات:
- أكثِر ملازمتَه لتتعرَّف على صفاته أكثر.
- انتبِه لسلوكه مع الآخرين كي تعرف شخصيته وميوله.
- حاول أن تقدم له كافة أشكال العون والمساعدة.
-اجعل شعارك في هذه المرحلة.. "ابذر الحُب تحصد الحب"، حتى وإن كان لا يزال عاصيًا، فإننا نبذل الحب للمطيع فرحًا بطاعته، فلماذا لا نبذله للعاصي أملاً في توبته ؟
يقول أحد المدمنين: "إن أحد الأمور التي دعتني إلى التوبة ورغَّبتني فيها ابتسامة الدعاة واحتضانهم لنا؟، بالرغم أننا لا نجد هذا الأمر من أقرب الناس لنا".
المرحلة الثانية (إيقاظ الإيمان وتغيير القناعات): فالتذكير بقدرة الله يوجب المحبة والخشية،و دور الداعية أن توقظ أصل الإيمان، ونقاء الفطرة النائمين خلف ركام من الذنوب والشهوات في قلب المنحرف، ، أو أن تعمل على تقوية الإيمان عند المدعو، يصبح مستعداً للتخلي عن إدمانه، متقبلاً لكل ما يحصل له من ضيق، وعسر، وهذا وفق المعادلة الآتية:
المرحلة الثالثة (تهيئة الأجـواء):المدمن في حالته الغائبة عن الشعور بما حوله لا يمكن التأثير عليه بأي حافز من الحوافز إلا بعد عزله عن المخدِّر، وهي مرحلة نضمن بها رجوعه إلى حالته الطبيعية، وفي سبيل الحصول على العزل نقوم بطرقتين:
1- طريقة التطوع: أي يطاوع المدمن بعد إقناعه، وتعميق الإيمان في قلبه، بترك المخدِّر، دون اللجوء إلى المستشفى، وهو في هذه الحالة يعود إلى الحالة الطبيعية ولكن بعد معاناة من الآلام الانسحابية لمدة 3 إلى 7 أيام.
2- طريق المستشفى: أي دخوله للمستشفى ليبقى أثناء تركه للمخدِّر تحت رعاية طبية، ليتجاوز مرحلة الآلام دون معاناة كبيرة.
المرحلة الثالثة: غرس القوة الذاتية: بعد أن نضمن تخلُّص المدمن من تأثير المخدِّر وعودته إلى الحالة الطبيعية، نبدأ بخطوات غرس الذاتية، وذلك عن طريق تعميق فعالية المحفِّزات الأخروية والدنيوية.
أ.المحفِّزات الأخروية:وهي كثيرة، قد تتغير بتغير المدمن وآفته، نذكر منها:
1- الهدف من خلق الإنسان في الحياة. 5- واجب الإنسان في مجتمعه وأسرته.
2- أسباب تكريم الله لابن آدم على الحيوان. 7- أثر المخدرات الصحية والاجتماعية على الإنسان.
3- خطورة الشيطان ومداخله. 6- الوعـد والوعيـد.
4- سبل السعادة. 8- الأخوة في الله والرفقة السيئة.
9- التوبة وشروطها ومواصفات التائبين.
أ.المحفِّزات الدنيوية:وتكون جنباً إلى جنب مع المحفزات الأخروية، ومنها:
1- دعمه في اقتناء بعض الحاجات الأساسية.
2- الابتسامة والاحتضان، والفرح به عند كل لقاء.
3- إشباع حاجة التقدير، وإظهار السرور بشفائه، وتخلُّصه من قيد المخدِّر.
4- عمل مسابقات تحفيظ القرآن الكريم، وتشجيع الحفظة منهم.
المرحلة الرابعة: الاستقامة والتعاون مع الآخر (الإدماج في الوسط الاجتماعي): وذلك بمحاولة إدماجه في المجتمع من جديد، عن طريق توظيف أو مهنة، أو تشجيعه على تعلُّم حرفة أو مهارة.
وكثير من المدمنين، سلك معهم دعاة الخير ، وأهل الغيرة هذه المراحل أو ما كان شبيهاً بها، فنقلوهم نقلةً نوعية، وتحوَّلوا بهم من ظلمات الانحراف والحرام، إلى نور الطاعة، وإشراقات الإيمان.
6- أسـس الدعوة الفردية:
1-البحث عن الجانب الطيب في الآخرين: فتحاول معرفة بعض صفاته الطيبة، ولا يخلو إنسان من خصلة خير، إنما المشكلة فينا نحن عندما نعجز عن اصطياد هذه الخصلة، فإذا كان اسمه (صالح) وجدت ضالتك في معنى اسمه الجميل، إنه اسم نبي من الأنبياء، ومعنى من معاني الاستقامة والإيمان، أو تبحث في تاريخ عائلته، فربما يوجد أحد الصالحين أو العلماء ممن يمكن الثناء عليه، وتحفيز الذي نريد كسبه.مع الحذر من جرح اعتباره الذاتي .
صور من جرح الاعتبار الـذاتي4.
-عندما نقلِّل أو نسفِّه من آراء الآخرين.
-عندما ننتقد الناس الذين يحبونهم في المجتمع:علماء، أطباء، لاعبين،...
-عندما ننتقد بلداناً أو جنسيات أو أحزاباً وتجمعات أو قبائل هم ينتمون إليها أو تجمع بينهم علاقة.
2-الشمولية: ويقصد بها أن نشكِّل للمدعو صورة متكاملة عن الإسلام(عبادات،معاملات،أخلاق،قيم،...).
3-لا للتسرع...نعم للتدرج:إن تغيير الأخلاق والقناعات لا يتمُّ في ساعات بلهَ أيام، بل لا بد من مدة كافية، يُشخِّص فيه العقل الخلق السيء، ثم يحاول فعل العكس، مع التدريب على قوة الإرادة والمواظبة على استخدام الحسن، ثم الصبر على محاولات الشيطان المتكررة لإعادة النفس لخلقها السيء السابق.
وقد ربى القرآن الكريم صحابة النبي (صلى الله عليه وسلم) بمبدأ التدرج في مسائل كثير(ترسيخ الإيمان،تحريم الخمر،البدأ بأوجب الفروض،...).
4-التوازن والاعتدال: مبدأ، به نجتذب المدعو إلى الالتزام، ذلك أنه خلق يناسب كل الطباع وكل الظروف والأحوال والبيئات."وكذلك جعلناكم أمة وسطاً"، فليحذر الداعية من أن ينقل المدعو من انحراف(فكري، سلوكي) إلى تطرف وغلو، فإن التوغل في الدين باندفاع يؤدي إلى عواقب وخيمة وقد يؤدي إلى فهم خاطئ للدين، وهذه بعض من المحاذير للمسلمين عامة، والملتزمين حديثاً بصفة خاصة.،حتى يتدينوا تدينا وسطيا صحيحا.
1-إذا وجدت نفسك بعد تدينك بدأت تفتي من عندك فاعلم أن تدينك فيه خلل،
2-إذا وجدت أنك بعد تدينك بدأت تكفر الناس تقول هذا كافر، وهذا مبتدع،...
3-إذا رأيت أنك بعد تدينك بدأت تهمل من مظهرك و من شكلك ومن لباسك فاعلم أن فهمك للدين فيه خلل،
4-إذا جعلك تدينك تشعر أنك خير من باقي الناس وأنك الناجي، وأن ما تقوم به من عمل أفضل من أعمال ومنجزات الآخرين...
5-التبسيط والتيسير:مبدأ دعوي سلكه النبي (صلى الله عليه وسلم) واعتمده، بل هو يتناسب مع المنحرفين.فعلى الداعية أن يتعلَّم فن تسيير الأمور بتيسير وأن يدعو غيره لذلك، حتى يجني أكبر نتائج دعوية بأقل جهود ممكنة.
أما التشديد والتعسير فيضيع الأوقات ويطيل الطريق، ويجعل الأهداف والوسائل غامضة.لكن هذا لا يعني التفلّت من ضوابط الدين والتحرر منها، تقول عائشة –رضي الله عنها-: «ما خُيِّر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس عنه».ولنا في الغزالي –من المتأخرين- خير نموذج في الرفق والتيسير على المن يدعوهم (قصة صاحبة الحاجب،...)
6-الترغيب قبل الترهيب: فترغِّب من تدعوه في رحمة الله وجنته، قبل ترهيبه من عقابه وناره، يقول تعالى:"نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم*وأن عذابي هو العذاب الأليم"، وتحرِّك فيه نور الإيمان، فتشجِّعه على التوبة والرجوع إلى الله تعالى، مستدلاً بالقرآن والسنة: "ورحمتي وسعت كل شيء" (الأعراف 156)، "وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أُعدَّت للمتقين" (آل عمران133).وقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): «إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها».
فالقلوب تصدأ بتراكم الذنوب، فتكسل الأجساد وتنحرف عن الطريق فتتعس، بينما تنجلي بالتوبة التي تعيد الأجساد للاستقامة فتسعد.
الخاتمة:
وبعد أيها الداعية فلئن كنا بسطنا لك القول في هذه المقالة عن فن الدعوة الفردية، بغية إقناعك بضرورة ممارستها، وتحفيزك على شدة إتقانها، فهاهي الطريق أمامك بيِّنة الأس، واضحة المعالم، ونداء خير البشرية سيبقى يتردَّد عبر الزمان:« لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير مما طلعت عليه الشمس».فاسلك هذا السبيل مستعيناً بالله، مستلهماً منه التوفيق والرشاد، والله الموفق للصواب.