‏إظهار الرسائل ذات التسميات حديث. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات حديث. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 28 يونيو 2018

اللَّهمَّ مُصرِّفَ القلوبِ صرِّف قلوبَنا على طاعتِكَ



سُئِلَ ابنُ تيميَّة :
فيمن أصابه سهام إبليس المسمومة؟
فأجاب:
ليكثر من الدعاء بقوله:
يامقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يامصرف القلوب صرف قلبي إلى طاعتك..
فإنه متى أدمن الدعاء والتضرع لله صرف قلبه عن ذلك .
• "الفتاوى" (٥/ ٣٢)
قال صلى الله عليه وسلم"إنَّ قلوبَ بَني آدمَ كلَّها بينَ إصبَعينِ من أصابعِ الرَّحمنِ كقَلبِ واحِدٍ . يصرِفُهُ حيثُ يشاءُ ، ثمَّ قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ : اللَّهمَّ مُصرِّفَ القلوبِ صرِّف قلوبَنا على طاعتِكَ"الراوي : عبدالله بن عمرو- المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 2654 - خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر السنية-
الشرح :
يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ قُلوبَ بَني آدمَ كُلَّها، أي: تَصرُّفَها وتَقلُّبَها، بينَ إِصبَعينِ مِن أَصابعِ الرَّحمنِ كَقلبٍ واحدٍ؛ يُصرِّفُه حَيثُ يَشاءُ، فاللهُ سُبحانَه وتَعالى مُتصرِّفٌ في قُلوبِ عِبادِه كُلِّهم, فيَهدِي ويُضلُّ كَما يَشاءُ؛ ثُمَّ دَعا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اللَّهمَّ مُصرِّفَ القُلوبِ "صَرِّفْ قُلوبَنا عَلى طاعتِك"، أي: ثَبِّت قُلوبَنا، واصْرِفْها إِلى طاعتِك ومَرضاتِك في كُلِّ ما تُحبُّه منَ الأَقوالِ، والأَعمالِ والأَخلاقِ.
فالعَبدُ لَيس إِليه شيءٌ منْ أَمرِ سَعادتِه، أو شَقاوتِه، بل إنَّ الأمرَ كلَّه للَّهِ؛ فإنِ اهتَدَى فبِهِدايةِ اللَّهِ تَعالى إيَّاه، وإنْ ضلَّ فبِصَرْفِه لَه بحِكمَتِه وعَدلِه، وعِلمِه السَّابقِ.
في الحديثِ: ثُبوتُ صِفةِ الأَصابعِ للهِ عزَّ وجلَّ.
وفيهِ: ثُبوتُ قَدَرِ اللهِ السَّابقِ لخَلقِه، وهوَ عِلمُه الأَشياءَ قبلَ كَونِها وكتابتُه لَها قبلَ بَرئِها.
وفيهِ: الافتِقارُ إِلى اللهِ عزَّ وجلَّ في كُلِّ حينٍ بالدُّعاءِ.
-الدرر السنية-
قُلتُ لأمِّ سلمةَ : يا أمَّ المؤمنينَ ما كانَ أَكْثرُ دعاءِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ إذا كانَ عندَكِ ؟ قالَت : كانَ أَكْثرُ دعائِهِ : يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ .قالَت : فقُلتُ : يا رسولَ اللَّهِ ما أكثرُ دعاءكَ يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ ؟ قالَ : يا أمَّ سلمةَ إنَّهُ لَيسَ آدميٌّ إلَّا وقلبُهُ بينَ أصبُعَيْنِ من أصابعِ اللَّهِ ، فمَن شاءَ أقامَ ، ومن شاءَ أزاغَ" . فتلا معاذٌ " رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا"
الراوي : شهر بن حوشب - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 3522 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية -
الشرح
قُلوبُ العِبادِ بين يَديِ الرَّحمنِ يُقلِّبُها كيفَ يَشاءُ؛ ولذلك كان أكثرُ دُعاءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "يا مُقلِّبَ القلوبِ، ثَبِّتْ قلبي على دِينِك"؛ وذلك طلَبًا للثَّباتِ على الدِّينِ خوفًا مِن الزَّيغِ أو الضَّلالِ، كما يَقولُ التَّابعيُّ شَهْرُ بنُ حَوشَبٍ في هذا الحديثِ: "قلتُ لأمِّ سَلمةَ: يا أمَّ المؤمنين، ما كان أكثَرُ دُعاءِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: أيُّ دعاءٍ كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَدْعو به كثيرًا؟ "إذا كان عِندَك"، أي: وهو عِندَك في بيتِك، "قالت"، أي: قالَت أمُّ سَلمةَ: "كان أكثَرُ دُعائِه"، أي: كان أكثَرُ دُعاءٍ يَدْعو به النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "يا مُقلِّبَ القلوبِ"، أي: يا مَن بِيَدِك أمرُ القلوبِ، فأنت تُقلِّبُ أحوالَها كيفَما تَشاءُ بينَ الإيمانِ والكفرِ، وبين الطَّاعةِ والمعصيةِ، وبينَ التَّنبُّهِ والغفلةِ، "ثبِّتْ قلبي على دينِك"، أي: اجعَلْ قلبي ثابتًا على طاعتِك وعلى دينِك، ولا تجعَلْه يَنحَرِفُ عن طَريقِك، "قالت: فقلتُ"، أي: فقالت أمُّ سلمةَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "يا رسولَ اللهِ، ما أكثَرَ دُعاءَك: يا مُقلِّبَ القلوبِ، ثبِّت قلبي على دينِك!"، أي: كأنَّ أمَّ سلَمةَ تتَعجَّبُ مِن إكثارِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن هذا الدُّعاءِ، فقالَت له: لِمَ تُكثِرُ مِن هذا الدُّعاءِ يا رسولَ اللهِ؟! "قال"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: يا أمَّ سلمةَ، "إنَّه ليس آدَميٌّ إلَّا وقَلبُه بين أُصبَعَينِ مِن أصابعِ اللهِ"، أي: كلُّ أحدٍ مِن بَني آدمَ قَلبُه بيَدِ اللهِ عزَّ وجلَّ يتَصرَّفُ فيه كيفَما يشاء، "فمن شاء أقام"، أي: فمن شاء اللهُ أقام قلبَه على الهدى، وثبَّتَه على الدِّينِ، "ومَن شاء أزاغ"، أي: ومَن شاء اللهُ صرَف قلبَه عن الهدى إلى الزَّيغِ والضَّلالِ، "فتَلا مُعاذٌ"، أي: قرَأ معاذُ بنُ معاذِ بنِ نصرِ بنِ حسَّانَ التَّميميُّ قولَ اللهِ عزَّ وجلَّ"رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا"آل عمران: 8، أي: يا ربِّ ثَبِّت قُلوبَنا على طاعتِك، ولا تَصرِفْها عن طَريقِك بعدَ هِدايَتِك لنا.
وفي الحديثِ: الحَثُّ على الدُّعاءِ بالثَّباتِ على الدِّينِ والهدى.
وفيه: بيانُ أنَّ جميعَ قُلوبِ بَني آدمَ بيَدِ اللهِ عزَّ وجلَّ؛ إنْ شاء هَداها، وإن شاء أزاغَها.
- الدرر السنية -

الأحد، 29 أبريل 2012

صوت سحابة من القصص النبوي


من القصص النبوي .. صوت سحابة

 

14

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بينما رجل بفلاة من الأرض، فسمع صوتًا في سحابة: (اسقِ حديقة فلان). فتنحى ذلك السحاب، فأفرغ ماءه في حَرَّة (أرض ذات حجارة سوداء)، فإذا شَرْجة (ساقية) من تلك الشِّراج قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبع الماء، فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته (مجرفته).
الرجل (لصاحب الحديقة): يا عبد الله، ما اسمك؟
صاحب الحديقة: اسمي فلان (للاسم الذي سمع في السحابة).
فقال له: يا عبد الله، لِمَ تسألني عن اسمي؟
الرجل: إني سمعت صوتًا في السحاب الذي هذا ماؤه، يقول: اسق حديقة فلان لاسمك، فما تصنع فيها؟
صاحب الحديقة: أما إذا قلت هذا، فإني أنظر إلى ما يخرج منها، فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثًا، وأرد فيها ثلثه"(1).
وفي رواية: "أجعل ثُلُثًا في المساكين والسائلين وابن السبيل"(2).
من فوائد القصة:
1- تسخير الله الملائكة والمطر لعِباده المتصدقين الذين يؤدون حقوق الفقراء من أموالهم.

2- التصدق على الفقراء يؤدي إلى زيادة الرزق، قال الله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة»(3).
3- المؤمن العاقل يحفظ حق الفقراء، وحق عياله، وحق حديقته.
المصدر: كتاب (من بدائع القصص النبوي الصحيح).

هنا

 

الأحد، 8 أبريل 2012

هل هذا حديث "من أراد الدنيا فعليه بالقرآن"
(من أراد الدنيا فعليه بالقرآن، ومن أراد الآخرة فعليه بالقرآن، ومن أرادهما معاً فعليه بالقرآن)، وأيضاً هناك قول يقول حول القرآن الكريم: (اقرأوا القرآن لما شئتم)، إذا كان هذه أحاديث وجهونا جزاكم الله خيراً، وهل يصح أن يقرن الإنسان الدنيا بالدين؟


بسم الله الرحمن الرحيم، حمد لله ، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد: فلا أعلم صحة شيء من هذه الأحاديث ، وليس لها أصل فيما نعلم ولكن إذا قرأ القرآن ليستفيد منه في أمور دنياه، وأمور دينه فهو مطلوب لكنه أنزل لعمل الآخرة وليستقيم عليه أمر الآخرة، هذا هو الأهم ، ويترتب على العمل بالقرآن صلاحه في الدنيا والآخرة لكن ليس المقصود من إنزاله صلاح أمر الدنيا إنما الدنيا تابعة, فإذا قرأ القرآن ودرس القرآن وتدبر القرآن ليعلم أمور الدنيا والآخرة وليستفيد من ذلك ما يصلح أمر الدنيا والآخرة هذا كله طيب, ولكن ليكن أكبر همه إصلاح أمر الآخرة والعناية بما أوجب الله عليه وما حرم الله عليه حتى يعرف من كتاب الله ما أوجب الله وما حرم الله, وحتى يستقيم على طاعة الله ورسوله وإذا استفاد من القرآن أيضا فيما يتعلق بطيب الكسب فهذا من أمور الآخرة كمن يجتهد في أن يكون كسبه طيباً حلالاً بعيداً عن الحرام ، يستفيد منه في صلة رحمه، في بر والديه، في إكرام جاره، في حفظ وقته كل هذا ينفع في الدنيا والآخرة, وكهذا اقرأ القرآن لما شئت بمعنى له وجه صحيح يقرأه ليتفقه في الدين, يقرأه ليخاف الله ويراقب الله ، يقرأه ليعالج به مرضه ، يقرأه ليعرف أحكام بيعه، أحكام معاملته للناس ، يعرف به أحكام صلاته إلى غير ذلك. يقرأ لما يشاء ، لكن أهم ما يكون أن يكون يقرأه ليعرف ما يرضي الله وما يقرب إليه، وليعرف أسباب السعادة, وليعرف أسباب النجاة, وليعرف أسباب الهلاك حتى يحذرها ، هو أنزل ليستقيم العبد على طاعة الله ورسوله كما قال- عز وجل-: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (صّ:29) وقال-سبحانه- : وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ(النحل: من الآية89) فلبيان أسباب السعادة في الدنيا والآخرة فإن من سار على القرآن في معاملاته أفلح، فيصدق في الحديث ويصدق في المعاملة،لا يغش، لا يخون, لا يكذب إلى غير هذا من الأخلاق الطيبة التي يدعو إليها القرآن، فهو إذا أخذ بهذه الأخلاق، ولو كان إنما أراد الدنيا ينفعه ذلك, لكن لا يكون له أجر إذا كان ما أراد إلا الدنيا أما إذا أراد بذلك إرضاء الله والتقرب لديه جمع الله له خير الدنيا والآخرة، أثيب ومع ذلك صلح له أمر الدنيا فيما فعل وإن لم يقصد الآخرة وثواب الله ، نفعه ما فعله في الدنيا من صدق والأمانة, وعدم الغش إلى غير هذا من الأشياء التي دل عليها القرآن وأرشد إليها القرآن, ولكن إذا فعله المكلف طاعة لله وتعظيماً لله ورغبة فيما عنده ولإصلاح أيضا أمر دنياه جمع الله له خيري الدنيا والآخرة. 

هنا 
للاستزادة 


هنا

الثلاثاء، 27 مارس 2012

درجة حديث (قيدوا العلم بالكتابة)

درجة حديث (قيدوا العلم بالكتابة)

من الحكمة والبركة الرجوة تقييد العلم وتنميقة وتوضيحه 

لكن من حيث نسبة ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم فها هو التفصيل 
السؤال


نرجو منكم توضيح هل العبارة التالية :قيدوا العلم بالكتابة، هي حديث، وما درجة صحته ؟
 
ولكم جزيل الشكر.

الإجابــة


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: 

فالعبارة المذكورة جاءت في حديث مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم روي بألفاظ مختلفة، ولم يصح الحديث باللفظ المذكور، وإنما صح بلفظ: قيدوا العلم بالكتاب، وجاءت كأثر موقوف علن بعض الصحابة كما سيأتي بيانه.

فأما اللفظ الأول الضعيف: قيدوا العلم بالكتابة.  فرواه أبو نعيم في تاريخ أصبهان،وابن الجوزي في العلل المتناهية، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وهو ضعيف مرفوعا بهذا اللفظ، ضعفه الدارقطني، وابن الجوزي، وابن عبد الهادي، وغيرهما، كما في العلل المتناهية، وهداية الإنسان لابن عبد الهادي، ذكره عنه الشيخ الألباني في الصحيحة، وساقه الذهبي في ترجمة عبد الحميد بن سليمان في ميزان الاعتدال من مناكيره.
وإنما صحت العبارة السابقة باللفظ المذكور من قول أنس بن مالك -رضي الله عنه- موقوفة عليه عند الطبراني في الكبير، والحاكم في المستدرك، وابن سعد في الطبقات، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد :رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.

وصحت – كما قال الحاكم- من قول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أيضا: رواها الدارمي، وابن أبي شيبة في المصنف، والرامهرمزي في المحدث الفاصل، والحاكم في المستدرك وصححه، وابن عبد البر في جامع بيان العلم، والبيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى وغيرهم. 

وأما اللفظ الثاني: قيدوا العلم بالكتاب فهو صحيح، وقد روي من طرق أخرى عن أنس أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: قيدوا العلم بالكتاب.رواه الخطيب في تاريخ بغداد، وفي تقييد العلم للخطيب البغدادي، وابن عبد البر في جامع بيان العلم، والرامهرمزي في المحدث الفاصل، وابن عساكر في تاريخ دمشق،  وأبو نعيم في تاريخ أصبهان، والقضاعي في مسند الشهاب وغيرهم، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع.

ولمزيد من الفائدة فلتراجع السلسلة الصحيحة للألباني فقد تكلم فيها عن الحديث وذكر شواهد تقويه.

 والله أعلم.

_______________________ 

1 - قيدوا العلم بالكتابة

الراوي: - المحدث: الألباني - المصدر: صفة الفتوى - الصفحة أو الرقم: 112
خلاصة حكم المحدث: ضعيف 
--------------------------------- 
قال بعض الحكماء : من لم يكن الدفتر في جيبه لم تثبت الحكمة في قلبه
وكما قيل قديما :
العلم صيد والكتابة قيده
قيد صيودك بالحبال الواثقة
فمن الحماقة أن تصيد غزالة
وتتركها بين الخلائق طالقة 
قال أحد الأئمة لأحد طلابه :
 لا تقرمط خطك ; أي لا تكتب بخط صغير وخط سيء ; إن عشت تندم وإن مت تشتم 

_____________________ 

من الوصايا : تقييد العلم بالكتابة
الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على خير خلق الله أجمعين ، و على آله و صحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين , أما بعد :
فقد أمر الله عباده بكتابة الدَّين فقال سبحانه : (( وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا )) [البقرة/282]
فإذا كان أمره بكتابة الدَّين مصروفا لحفظ الحقوق و البعد عن الريبة ؛ وجب علينا تقييد العلم لصعوبة حفظه ، و الخوف من دخول الريب والشك فيه , فالكتاب شاهد عند التنازع .
و قد قال الشاعر :

العلم صيد و الكتابة قيده قيد صيودك بالحبال الواثقة

فمن الحماقة أن تصيد غزالة وتتركها بين الخلائق طالقة

و قد اتخذ النبي صلى الله عليه و سلم كتبة للوحي ، يكتبون كل ما أُنزل منه تباعاً .
وقال صلى الله عليه و سلم : (( قيدوا العلم بالكتاب ))1 [ السلسلة الصحيحة ، رقم : 2026] .
و في الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما - قال : كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه ، فنهتني قريش ، وقالوا : أتكتب كل شيء تسمعه ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا ؟ فأمسكت عن الكتاب فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأومأ بأصبعه إلى فيه فقال : اكتب فو الذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق . [ السلسلة الصحيحة ، رقم : 1532]
ولقد أنفق علماؤنا أموالهم و أوقاتهم في تقييد علوم الشريعة وتدوينها ؛ فظفرت الأمة بتراث عظيم .
فهذا سعيد بن جبير يقول : ربما أتيت ابن عباس فكتبت في صحيفتي حتى أملأها ، كتبت في نعلي حتى أملأها ، و كتبت في كفِّي .
و قد قيل : يا أبا عبد الله ، أنت قد بلغت هذا المبلغ، وأنت إمام المسلمين، حتى متى مع المحبرة ؟
فقال: مع المحبرة إلى المقبرة.
و يقول أحمد بن عقبة : سألت يحيى بن معين , كم كتبت من الحديث ؟ قال : كتبت بيدي هذه ستمائة ألف حديث .
وروي عن الربيع أنه قال : خرج علينا الشافعي ذات يوم ونحن مجتمعون فقال لنا : اعلموا رحمكم الله أن هذا العلم يندُّ كما تند الإبل ، فاجعلوا الكتب له حماة ، والأقلام عليه رعاة .
وقال الشافعي أيضاً : كنت أكتب في الأكتاف و العظام ، و كنت أذهب إلى الديوان فأستوهب الظهور فأكتب فيها .
و قال عمار بن رجاء : سمعت عبيد بن يعيش يقول : أقمت ثلاثين سنة ما أكلت بيدي بالليل , كانت أختي تلقمني و أنا أكتب .
قال أبو أحمد بن عدي : كان إسماعيل – يعني ابن زيد الجرجاني – يكتب في الليلة سبعين ورقة بخط دقيق .
و مكث محمد بن جرير أربعين سنة يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة .
وقال إبراهيم المعروف باين ديزيل : " كتبت في بعض الليالي فجلست كثيرا , وكتبت ما لا أحصيه حتى عييت , ثم خرجت أتأمل السماء , فكان أول الليل فعدت إلى بيتي وكتبت إلى أن عييت , ثم خرجت فإذا الوقت آخر الليل , فأتممت جزئي وصليت الصبح , ثم حضرت عند تاجر يكتب حسابا له , فورَّخه يوم السبت , فقلت : سبحان الله , أليس اليوم الجمعة ؟! فضحك , و قال لعلك لم تحضر أمس الجامع ؟ قال : فراجعت نفسي فإذا أنا كتبت ليلتين ويوما " .
قال الخليل بن أحمد : ما سمعت شيئًا إلا كتبته ، ولا كتبت شيئا إلا حفظته ، ولا حفظت شيئا إلا انتفعت به .
و يقال إن محمد بن أحمد بن تميم التميمي ، أبو العرب - وكان جدّه ملكاً على تونس - ، كتب بيده ثلاثة آلاف كتاب وخمسمائة.
و هذا أحمد بن عبد الدايم بن نعمة المقدسي الصالحي قال عنه ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة : ((كان يكتب خطاً حسناً، ويكتب سريعاً. فكتب ما لا يوصف كثرة من الكتب الكبار، والأجزاء المنثورة لنفسه وبالأجرة، حتى كان يكتب في اليوم إذا تفرغ تسعة كراريس أو أكثر، ويكتب مع اشتغاله بمصالحه الكراسين والثلاثة. وكتب " الخرقي " في ليلة واحدة وكتب " تاريخ الشام " لابن عساكر مرتين و " المغني " للشيخ موفق الدين مرات. وذكر: أنه كتب بيده ألفي مجلدة، وأنه لازم الكتابة أزيد من خمسين سنة )) .
وغيره كثير فقد جادت هذه الأمة بأبناء عظماء , أسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعمل بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتدوين علوم شرعه و أن يجعلنا هداة مهتدين لا ضالين و لا مضلين وصل الله على نبينا محمد و على آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
.


هنا   

1 رقم الحديث: 4
(حديث مرفوع) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ , ثنا لُوَيْنٌ , ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ سُلَيْمَانَ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى , عَنْ عَمِّهِ ثُمَامَةَ , عَنْ أَنَسٍ , قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قَيِّدُوا الْعِلْمَ بِالْكِتَابِ "  

 هنا
قيدوا العلم بالكتاب . ‌  
تخريج السيوطي :  (الحكيم سمويه) عن أنس (طب ك) عن ابن عمرو.
تحقيق الألباني :  (صحيح) انظر حديث رقم: 4434 في صحيح الجامع.‌ 
 

مكتبة الشيخ الألباني الإلكترونية

_________________ 
ولمزيد بحث 
دراسة حول أسانيد حديث قيدوا العلم بالكتاب
ملتقى أهل الحديث 
رواه أنس بن مالك ، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عمر ،وعمربن الخطاب، وعبدالله ابن عباس ، وعلي ، وقد روي مرفوعا وموقوفا ، من عدة طرق وإليك بيانها :
أولا: طرق الحديث عن أنس t مرفوعا
* من طريق لوين :أخرجه ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ كتاب جامع ـ باب في تقييد العلم (ح614) وأخرجه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (440) ص (299) باب ما ينبغي أن يسأل عنه الراوي ، وفي تقيد العلم (116) وفي تاريخ بغداد (10/46) وابن عبد البر في جامع بيان العلم (1/106ـ ح 395) وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (1185) والرامهرمزي في المحدث الفاصل (272) وأبو الحسن الحربي في الفوائد (112) جميعهم من طريق لوين محمد بن سليمان عن عبد الحميد بن سليمان عن عبدالله بن المثنى عن عمه ثمامه عن أنس، t عن النبي ﷺ مرفوعا ،.
قلت ( أبو عابد ) وهذا سند ضعيف من أجل عبد الحميد بن سليمان ، قال فيه على بن المديني عبد الحميد وأخوه فليح ضعيفان ، وقال أبو داود ليس بثقة ، وقال الدرقطني والنسائي ضعيف ، وقال ابن معين ليس بشيء ، وقال الذهبي ضعفوه
وقال ابن حجر : ضعيف . انظر : التاريخ الكبير (6/52) تهذيب الكمال (2/766) تهذيب التهذيب (6/116) الميزان (4/52) . ورواه عبد الحميد عن عبد الله بن المثنى وهو متكلم فيه كما سنبينه في الرواية الموقوفة عن أنس t .
* طريق إسماعيل بن أبي أويس : أخرجه أبو نعيم في أخبار أصبهان (2/228ـ ح 2541) والقضاعي في مسند الشهاب (2/53ـ ح 598) وعزاه الألباني أيضا إلى المخلدي في فوائده (2/245) ثلاثتهم من طرق عن إسماعيل بن أبي أويس عن إسماعيل بن إبراهيم ابن أخي موسى بن عقبة عن الزهري عن أنس مرفوعا .
قلت : وهذا إسناد ضعيف أيضا ، فيه إسماعيل بن أبي أويس ، قال أبو حاتم محله الصدق مغفل ، وقال النسائي : ضعيف ، ونقل ابن عدي عن ابن معين كان يقول في إسماعيل ابن أبي أويس : هو وأبوه يسرقان الحديث ، ونقل العقيلي عن ابن معين أيضا أنه كان يقول إسماعيل بن أبي أويس لا يساوي فلسين ، وكذبه النضر بن سلمة المروزي كما في الضعفاء للدولابي . أنظر : الجرح والتعديل (2/180) الميزان (1/379) وتهذيب التهذيب (1/284) .
ـ ما روي موقوفا عن أنس t :أخرجه الحاكم في المستدرك (1/105) والبهقي في المدخل (611) باب من رخص في كتابة العلم ، والطبراني في الكبير (699) وابن سعد في الطبقات (8144) الرمهرمزي في المحدث الفاصل (326) وزهير بن حرب في العلم (120) والخطيب في تقيد العلم (182، 183، 185، 186) وابن عبد البر في جامع بيان العلم (1/316ـ ح 410) وحديث محمد بن عبد الله الأنصاري (59) . جميعهم من طرق عن عبد الله بن المثنى الأنصاري عن عمه ثمامة عن أنس أنه كان يقول لبنيه ""قيدوا العلم بالكتاب " ، وعلة هذا الطريق هو عبد الله بن المثنى الأنصاري ، قال أبو حاتم ، شيخ ، وقوله شيخ أي ليس بحجة كما قال الذهبي في الميزان ، وقال أبو داود لا أخرج حديثه ، وقال النسائي ليس بالقوي ،وقال الساجي : فيه ضعف لم يكن صاحب حديث ، وقال الأزدي روى مناكير ، وذكره العقيلي في الضعفاء وقال لا يتابع على أكثر حديثه . وقال ابن حجر صدوق كثير الخطأ . انظر : الجرح والتعديل (5/177) والضعفاء الكبير للعقيلي (2/304)
ثانيا: الطرق عن عبد الله بن عمر و :
*من طريق عبد الله بن المؤمل: أخرجه الحاكم (1/106) والطبراني في الأوسط (855)والخطيب في تقيد العلم (112ـ115) وفي الجامع لأخلاق الراوي (439)والبيهقي في المدخل ( 612) والرامهرمزي في المحدث الفاصل (315) وأبو نعيم في الحلية (4353) وابن عبد البر في جامع بيان العلم (412) جميعهم من طرق عن عبد الله بن المؤمل ، عن ابن جريج ، عن عطاء عن عبد الله بن عمرو قلت : يا رسول الله أقيد العلم ؟ قال : " نعم " ، قلت : وما تقييده ؟ قال : " الكتاب " وهذا السند ضعيف ، فيه عبد الله بن المؤمل ضعيف الحديث ، قال أحمد أحاديثه مناكير ، وقال النسائي والدارقطني ضعيف ، وقال الذهبي ضعفوه . انظر : التاريخ الكبير (5/209) الجرح والتعديل (5/1815) تهذيب الكمال (2/746) الميزان (4/207).وله علة أخرى وهي أن ابن جريج مدلس ولم يصرح بالسماع في هذه الرواية . ورواه عبد الله بن المؤمل عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : أخرجه الخطيب في قيد العلم (114، 125) . ورواه أيضا عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : " قلت : يا رسول الله ، أقيد العلم ؟ قال : " نعم " أخرجه الخطيب في تقيد العلم (111) وفي الجامع في أخلاق الراوي (439) ، ولا يخفى ما في روايات بن المؤمل من اضطراب في الإسناد فتارة يرويع عن بن أبي مليكة ، وتارة يرويه عن عمرو بن شعيب ،وأخرى يرويه عن ابن جريج ، ولا شك أن هذا الاضطراب في الإسناد يضعفه . تنبيه : تابع بن المؤمل في روايته عن عمرو بن شعيب ، ابن أبي ذئب كما في المحدث الفاصل (318) والخطيب في تقيد العلم (115) وابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة وهو ثقة فقيه فاضل كما قال ابن حجر في "التقريب" إلا أن الراوي عن ابن أبي ذئب هو إسماعيل بن يحي قال الأزدي : ركن من أركان الكذب ، وقال ابن جزرة كان يضع الحديث ، انظر الميزان (1/415)، وعليه فلا حجة في هذه المتابعة ولا عبرة بها . ولو صحت هذه المتابعة عن ابن أبي ذئب لكان الحديث صحيحا لغيره كما قال العلامة الألباني في الصحيحة (2026)
* من طريق زيد بن يحي الدمشقي عن عمران بن موسى عن مكحول عن عبد الله بن عمرو مرفوعا . أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (12/343) في ترجمة عمران بن موسى ، وعمران هذا ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (3/1) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا ، ومكحول لم يسمع من ابن عمرو . [الصحيحة 5/40] .
ثالثا :الطرق عن ابن عباس
أولا : ما روي مرفوعا عن ابن عباس جاء من طريق حفص بن عمر بن أبي العطاف : أخرجه ابن عدي في الكامل (3/277) عن حفص هذا عن أبي الزناد عن الأعرج عن ابن عباس مرفوعا ، وحفص بن عمر بن أبي العطاف السهمي قال أبو حاتم والبخاري منكر الحديث ، وضعفه غيرهم .انظر التاريخ الكبير (2/367 ) الجرح والتعديل (3/764) تهذيب الكمال (1/305) .
ثانيا : ما روي موقوفا : من الطريق السابق عند الخطيب في تقيد العلم (172) وأخرجه الخطيب في التقيد (173) وزهير بن حرب في العلم (149) وابن عبد البر في جامع بيان العلم (398) وأبو خيثمة في العلم (148) من طريق وكيع عن عكرمة عن يحي بن كثير عن ابن عباس موقوفا .وفيه علتان : الأولى : عكرمة بن عمار في روايته عن يحي بن كثير اضطراب كما قال أحمد وأبو داود ، والعلة الثانية يحي بن كثير فهو مع أنه ثقة ثبت إلا أنه يدلس ، ولم يثبت له سماع من ابن عباس.
رابعا : الطرق عن عمر بن الخطاب
أخرجه الدارمي (1/122ـ ح497) والحاكم (1/106) وابن أبي شيبة (9/49 ح 25887) والبيهقي في المدخل (609) والخطيب في تقيد العلم (158، 159) والرامهرمزي في المحدث الفاصل (358) وابن عبد البر (396) والبغوي في شرح السنة (1/234) جميعهم من طريق أبي عاصم الضحاك بن مخلد، عن ابن جريج ، حدثني عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان ، عن عمه عمرو بن أبي سفيان أنه سمع عمر بن الخطاب يقول : " قيدوا العلم بالكتاب " وهذا الأثر سند ه حسن ، وابن جريج وإن كان مدلس إلا أنه صرح بالسماع كما عند الرمهرمزي . تنبيه : في رواية البيهقي عن عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان أنه سمع عمر بن الخطاب يقول ..الحديث ، وعبد الملك هذا ذكره ابن حبان في الثقات ، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا ولكن لم يثبت له سماع من عمر فالروايات الأخري تثبت أنه سمع الحديث من عمه عمرو بن أبي سفيان ، فتنبه .
خامسا : الطرق عن عبد الله بن عمر بن الخطاب :
أخرجه الدارمي (1/122 ح 498) من طريق يحي بن سعيد عن ابن جريج قال أخبرني عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان عن ابن عمر موقوفا ، وأخرجه الطبراني في الأوسط (5159) عن عبد الله بن المؤمل ابن جريج عن عطاء عن ابن عمر مرفوعا ، وابن المؤمل ضعيف كما سبق بيانه .

سادسا : طريق الحديث عن علي

أخرجه الخطيب في تقيد العلم (163) من طريق أبو القاسم عبيد الله بن أبي الفتح الفارسي , أخبرنا محمد بن العباس الخزاز ، أخبرنا إبراهيم بن محمد الكندي ، حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى حدثنا ابن داود ، حدثنا حبيب بن جري ، قال : قال علي : قيدوا العلم بالكتاب " وهذا الطريق له علتان : الأولى : ابن داود وهو عبد الله بن داود الواسطي أبو محمد التمار ، قال البخاري فيه نظر ، وقال النسائي : ضعيف ، وقال أبو حاتم ليس بالقوي في حديثه مناكير ، وضعفه ابن حجر في التقريب . انظر التاريخ الكبير (5/82) والجرح والتعديل (5/222) ضعفاء النسائي (388) المجروحين لابن حبان (2/34) .
وبعد ذكرنا طرق هذا الحديث التي جمعناها وبينا ما فيها من ضعف ، نقول إن كثرة هذه الطرق تقوي بعضها بعضا لا سيما أن بعضها ليس شديد الضعف كما في روايات ابن المؤمل فهو وإن كان ضعيفا إلا أن ضعفه من قبل حفظه كما قال العلامة الألباني في [الصحيحة5/42] فأحاديثه يستشهد بها ويرتقي الحديث إلى مرتبة الحسن ، وكذلك الروايات الموقوفة عن عمر بن الخطاب فضعفها غير شديد ، ومما يقوي الحديث أيضا ويحسنه الشواهد التي جاءت بالأمر بالكتابة كقول النبي ﷺ لعبد الله بن عمرو " اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حقا . فهذا دليل على تقيد العلم بالكتابة . والله تعالى أعلم .
__________________
أبو عابد 
----------------------------
 

سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته



سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته ...

إنَّ من عظيم نعمة الله على عباده المؤمنين أن هيَّأ لهم أبواباً من البر والخير والإحسان عديدة يقوم بها العبد الموفَّق في هذه الحياة ويجري ثوابها عليه بعد الممات ، فأهل القبور في قبورهم مرتهنون ، وعن الأعمال منقطعون ، وعلى ما قدَّموا في حياتهم محاسبون ومجزيون ، بينما هذا الموفَّق في قبره الحسنات عليه متوالية ، والأجور والأفضال عليه متتالية ، ينتقل من دار العمل ولا ينقطع عنه الثواب ، تزداد درجاته وتتنامى حسناته وتتضاعف أجوره وهو في قبره ؛ فما أكرمها من حال ، وما أجمله وأطيبه من مآل .

وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أموراً سبعةً يجري ثوابها على الإنسان في قبره بعدما يموت ؛ فعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((سبعٌ يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته : من علَّم عِلْماً ، أو أجرى نهراً ، أو حَفَر بئراً ، أو غرس نخلاً أو بنى مسجداً ، أو ورَّث مصحفاً ، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته )) [1]  .

وتأمل أخي المسلم مليًّا هذه الأعمال واحرص على أن يكون لها منها حظٌّ ونصيب مادمت في دار الإمهال ، وبادر إليها أشد المبادرة قبل أن تنقضي الأعمار وتتصرَّم الآجال ، وإليك بعض البيان والإيضاح لهذه الأعمال :

v أولاً : تعليم العلم ، والمراد بالعلم هنا : العلم النافع الذي يبصِّر الناس بدينهم ويعرِّفهم بربهم ومعبودهم ويهديهم إلى صراطه المستقيم ، العلم الذي به يُعرف الهدى من الضلال والحق من الباطل والحلال من الحرام ، وهنا يتبين عظم فضل العلماء الناصحين والدعاة المخلصين ؛ الذين هم في الحقيقة سراج العباد ومنار البلاد وقِوام الأمة وينابيع الحكمة ، حياتهم غنيمة وموتهم مصيبة ؛ فهم يعلِّمون الجاهل ويذكِّرون الغافل ويرشدون الضال ، لا يتوقع لهم بائقة ولا يخاف منهم غائلة ، وعندما يموت الواحد منهم تبقى علومه بين الناس موروثة ومؤلفاته وأقواله بينهم متداولة ، منها يفيدون وعنها يأخذون وهو في قبره تتوالى عليه الأجور ويتتابع عليه الثواب ، وقديماً كانوا يقولون "يموت العالم ويبقى كتابه " بينما الآن صوت العالم يبقى مسجَّلاً في الأشرطة المشتملة على دروسه العلمية ومحاضراته النافعة وخطبه القيِّمة ؛ فينتفع بها أجيال لم يعاصروه ولم يُكتب لهم لقيُّه ، ومن يساهم في طباعة الكتب النافعة ونشر المؤلفات المفيدة وتوزيع الأشرطة العلمية والدعوية فله حظٌّ وافر من ذلك الأجر إن شاء الله.

v  ثانياً : إجراء النهر ؛ والمراد : شق جداول الماء من العيون والأنهار لكي تصل المياه إلى أماكن الناس ومزارعهم ؛ فيرتوي الناس ، وتُسقى الزروع ، وتشرب الماشية ، وكم في مثل هذا العمل الجليل والتصرف النبيل من الإحسان للناس والتنفيس عنهم بتيسير حصول الماء الذي به تكون الحياة بل هو أهم مقوِّماتها ، ويلتحق بهذا مدُّ الماء عبر الأنابيب إلى أماكن الناس ، وكذلك وضع برادات الماء في طرقهم ومواطن حاجاتهم .

v  ثالثاً : حفر الآبار ؛ وهو نظير ما سبق ، وقد جاء في السنة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((بَيْنَا رَجُلٌ بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنْ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ مِنِّي ، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلَا خُفَّهُ مَاءً فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّه وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ لَأَجْرًا ؟ فَقَالَ فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ )) [2] . فكيف إذاً بمن حفر البئر وتسبَّب في وجودها حتى ارتوى منها خلقٌ وانتفع بها كثيرون .

v  رابعاً : غرسُ النخل ؛ ومن المعلوم أن النخل سيد الأشجار وأفضلها وأنفعها وأكثرها عائدةً على الناس ، فمن غرس نخلاً وسبَّل ثمره للمسلمين فإن أجره يستمر كلَّما طعِم من ثمره طاعم ، وكلما انتفع بنخله منتفع من إنسان أو حيوان ، وهكذا الشأن في غرس كل ما ينفع الناس من الأشجار ، وإنما خُصَّ النخل هنا بالذكر لفضله وتميزه .

v خامساً : بناء المساجد التي هي أحب البقاع إلى الله والتي أذِن الله جل وعلا أن تُرفع ويُذكَر فيها اسمه ، وإذا بُني المسجد أقيمت فيه الصلاة وتُلي فيه القرآن وذُكر فيه الله ونشر فيه العلم واجتمع فيه المسلمون إلى غير ذلك من المصالح العظيمة ، ولِبانيه أجرٌ في ذلك كله ؛ عن عثمان ابن عفان رضي الله عنه قال سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ((مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ )) [3].

v  سادساً : توريث المصحف ؛ وذلك يكون بطباعة المصاحف أو شرائها ووقفها في المساجد ودور العلم حتى يستفيد منها المسلمون ، ولواقفها أجرٌ عظيم كلما تلا في ذلك المصحف تالٍ ، وكلما تدبر فيه متدبر ، وكلما عمل بما فيه عامل .

v  سابعاً : تربية الأبناء وحسن تأديبهم والحرص على تنشئتهم على التقوى والصلاح حتى يكونوا أبناءً بررة وأولاداً صالحين ؛ فيدعون لأبويهم بالخير ويسألون الله لهم الرحمة والمغفرة ؛ فإنَّ هذا مما ينتفع به الميت في قبره.

وقد ورد في الباب في معنى الحديث المتقدم ما جاء عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ : عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ )) [4] .

وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((أَرْبَعَةٌ تَجْرِي عَلَيْهِمْ أُجُورُهُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ : مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَمَنْ عَلَّمَ عِلْمًا أُجْرِيَ لَهُ أَجْرُهُ مَا عُمِلَ بِهِ ، وَمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَجْرُهَا يَجْرِي لَهُ مَا جَرَتْ، وَرَجُلٌ تَرَكَ وَلَدًا صَالِحًا فَهُوَ يَدْعُو لَهُ )) [5] .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ : إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ )) [6] .

وقد فسَّر جماعة من أهل العلم الصدقة الجارية بأنها الأوقاف ؛ وهي أن يحبَّس الأصل وتسبَّل منفعته . وجُلُّ الخصال المتقدِّمة داخلة في الصدقة الجارية .

وقوله في الحديث (( أو بيتاً لابن السبيل بناه )) فيه فضل بناء الدور ووقفها لينتفع بها المسلمون سواءً ابن السبيل أو طلاب العلم أو الأيتام أو الأرامل أو الفقراء والمساكين ، وكم في هذا من الخير والإحسان .

وقد تحصَّل بما تقدم جملة من الأعمال المباركة إذا قام بها العبد في حياته جرى له ثوابها بعد الممات ، وقد نظمها السيوطي رحمه الله في أبيات فقال :

إذا مَاتَ ابنُ آدم لَيْسَ يجرِي

                عَليه مِن فِعَــــالٍ غيرُ عَشْرِ

علوم بثَّها ، ودعــاءُ نَجْلٍ

               وغَرْسُ النَّخلِ ، والصدقاتُ تجري

وَوِراثةُ مُصحفٍ ، ورِباطُ ثَغْرٍ

               وحَفْرُ البئرِ ، أو إجراءُ نَهـــرِ

وبيتٌ للغريبِ بَنــاهُ يأوي

               إليه ، أو بِناءُ مَــــحلِّ ذِكْرِ

وقوله (( ورباط ثغر )) شاهده حديث أبي أمامة المتقدم ، وحديث سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى اله عليه وسلم يقول : ((رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ ، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ )) [7] أي ينمو له عمله إلى يوم القيامة ويأمن من فتنة القبر .

ونسأل الله جل وعلا أن يوفقنا لكل خير ، وأن يعيننا على القيام بأبواب الإحسان ، وأن يهدينا سواء السبيل .

********



----------------------

[1] رواه البزار (كشف الأستار ) (149) وحسنه الألباني رحمه الله في (صحيح الجامع) (3602) .

[2] رواه البخاري (2466) ، ومسلم (2244).

[3] رواه البخاري (450) ، ومسلم (533) .

[4] رواه ابن ماجه (242) وحسنه الألباني رحمه الله في (صحيح سنن ابن ماجه) (198)  .

[5] رواه أحمد (5/ 260 - 261) والطبراني (7831) وحسنه الألباني رحمه الله في (صحيح الجامع) (877) .

[6] رواه مسلم (1631) .

[7] رواه مسلم (1913) .

 الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

الأحد، 25 مارس 2012

معنى " حسن الظن بالله " وذِكر أبرز مواضعه


معنى " حسن الظن بالله " وذِكر أبرز مواضعه

يقول تعالى في الحديث القدسي ( أنا عند ظن عبدي بي .. ) فهل يعني هذا أن الشخص إذا ظن بالله أن رحمته أوسع من عقوبته فإن هذا العبد سيُعامل بالرحمة أكثر من العقوبة ، والعكس بالعكس ؟ وما هي الموازنة التي يجب على الشخص أن يأخذ بها عندما يتعلق الأمر بالعمل بهذا الحديث ؟ .
الجواب :
الحمد لله
أولاً:
حسن الظن بالله تعالى عبادة قلبية جليلة ، ولم يفهمها حق فهمها كثير من الناس ، ونحن نبيِّن معتقد أهل السنَّة والجماعة في هذه العبادة ، ونبيِّن فهم السلف القولي والعملي لها ، فنقول :
إن حسن الظن بالله تعالى يعني اعتقاد ما يليق بالله تعالى من أسماء وصفات وأفعال ، واعتقاد ما تقتضيه من آثار جليلة ، كاعتقاد أن الله تعالى يرحم عباده المستحقين ، ويعفو عنهم إن هم تابوا وأنابوا ، ويقبل منهم طاعاتهم وعبادتهم ، واعتقاد أن له تعالى الحِكَم الجليلة فيما قدَّره وقضاه .
ومن ظنَّ أن حسن الظن بالله تعالى ليس معه عمل : فهو مخطئ ولم يفهم هذه العبادة على وجهها الصحيح ، ولا يكون حسن الظن مع ترك الواجبات ، ولا مع فعل المعاصي ، ومن ظنَّ ذلك فقد وقع في الغرور ، والرجاء المذموم ، والإرجاء المبتدع ، والأمن من مكر الله ، وكلها طوام ومهالك .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
وقد تبين الفرق بين حسن الظن والغرور ، وأن حسن الظن إن حمَل على العمل وحث عليه وساعده وساق إليه : فهو صحيح ، وإن دعا إلى البطالة والانهماك في المعاصي : فهو غرور ، وحسن الظن هو الرجاء ، فمن كان رجاؤه جاذباً له على الطاعة زاجراً له عن المعصية : فهو رجاء صحيح ، ومن كانت بطالته رجاء ورجاؤه بطالة وتفريطاً : فهو المغرور .
" الجواب الكافي " ( ص 24 ) .

وقال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله - :
وإحسان الظن بالله لابد معه من تجنب المعاصي وإلا كان أمنًا من مكر الله ، فحسن الظن بالله مع فعل الأسباب الجالبة للخير وترك الأسباب الجالبة للشر : هو الرجاء المحمود .
وأما حسن الظن بالله مع ترك الواجبات وفعل المحرمات : فهو الرجاء المذموم ، وهو الأمن من مكر الله .
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " ( 2 / 269 ) .
ثانياً:
الأصل في المسلم أن يكون دائماً حسن الظنَّ بربه تعالى ، وأكثر ما يتعيَّن على المسلم حسن الظن بربِّه تعالى في موضعين :
الأول : عند قيامه بالطاعات .
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم ( يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ) .
 رواه البخاري ( 7405 ) ومسلم ( 2675 ) . 

فيلاحظ في الحديث علاقة حسن الظن بالعمل أوضح ما يكون ، فقد أعقبه بالترغيب بذِكره عز وجل والتقرب إليه بالطاعات ، فمن حسُن ظنه بربه تعالى دفعه ذلك لإحسان عمله .
قال الحسن البصري رحمه الله : " إن المؤمن أحسنَ الظنّ بربّه فأحسن العملَ ، وإنّ الفاجر أساءَ الظنّ بربّه فأساءَ العمل .
رواه أحمد في " الزهد " ( ص 402 ) .
وقال ابن القيم - رحمه الله - :
ومن تأمل هذا الموضع حق التأمل علِم أن حُسن الظن بالله هو حُسن العمل نفسه ؛ فإن العبد إنما يحمله على حسن العمل ظنه بربه أنه يجازيه على أعماله ويثيبه عليها ، ويتقبلها منه ، فالذي حمله على العمل حسن الظن ، فكلما حسُن ظنُّه حسُنَ عمله ، وإلا فحُسن الظن مع اتباع الهوى : عجْز ... .
وبالجملة : فحُسن الظن إنما يكون مع انعقاد أسباب النجاة ، وأما مع انعقاد أسباب الهلاك : فلا يتأتي إحسان الظن .
" الجواب الكافي " ( ص 13 - 15 ) مختصراً .
وقال أبو العباس القرطبي – رحمه الله - :
قيل : معناه : ظنّ الإجابة عند الدعاء ، وظنّ القبول عند التوبة ، وظن المغفرة عند الاستغفار ، وظن قبول الأعمال عند فعلِها على شروطها ؛ تمسُّكًا بصادق وعْده ، وجزيل فضلِه .
قلت : ويؤيدهُ قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم : ( ادْعوا الله وأنتم موقِنون بالإجابة ) – رواه الترمذي بإسناد صحيح - ، وكذلك ينبغي للتَّائب والمستغفر ، وللعامل أن يَجتهد في القيام بِما عليه من ذلك ، موقنًا أنَّ الله تعالى يقبل عملَه ، ويغفِر ذنبه ؛ فإنَّ الله تعالى قد وعد بقبول التَّوبة الصادقة ، والأعمال الصالحة ، فأمَّا لو عمل هذه الأعمال وهو يعتقد أو يظنُّ أنَّ الله تعالى لا يقبلُها ، وأنَّها لا تنفعُه : فذلك هو القنوط من رحْمة الله ، واليأس من رَوْح الله ، وهو من أعظمِ الكبائر ، ومَن مات على ذلك : وصل إلى ما ظنَّ منه .
فأمَّا ظن المغفرة والرحمة مع الإصرار على المعصية : فذلك محض الجهل والغرة ، وهو يجر إلى مذهب المرجئة .
" المفهم شرح مسلم " ( 7 / 5 ، 6 ) .
الثاني : عند المصائب ، وعند حضور الموت .
عَنْ جَابِرٍ رضِيَ الله عَنْه قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ وَفَاتِهِ بِثَلاَثٍ يقولُ ( لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ بِاللَّهِ الظَّنَّ ) . رواه مسلم ( 2877 ) .
وفي " الموسوعة الفقهية " ( 10 / 220 ) :
يجب على المؤمن أن يُحسن الظنَّ بالله تعالى ، وأكثر ما يجب أن يكون إحساناً للظن بالله : عند نزول المصائب ، وعند الموت ، قال الحطاب : ندب للمحتضر تحسين الظن بالله تعالى ، وتحسين الظن بالله وإن كان يتأكد عند الموت وفي المرض ، إلا أنه ينبغي للمكلف أن يكون دائماً حسن الظن بالله .
انتهى .
وينظر : " شرح مسلم " ، للنووي ( 17 / 10 ) .
فتبين مما سبق أن حسن الظن بالله تعالى لا يكون معه ترك واجب ولا فعل معصية ، ومن اعتقد ذلك نافعاً له فهو لم يثبت لله تعالى ما يليق به من أسماء وصفات وأفعال على الوجه الصحيح ، وقد أوقع نفسه بذلك في مزالق الردى ، وأما المؤمنون العالِمون بربهم فإنهم أحسنوا العمل وأحسنوا الظن بربهم أنه يقبل منهم ، وأحسنوا الظن بربهم عند موتهم أنه يعفو عنهم ويرحمهم ولو كان عندهم تقصير ، فيُرجى لهم تحقيق ذلك منه تعالى كما وعدهم .
والله أعلم

الإسلام سؤال وجواب
 
 

الثلاثاء، 20 مارس 2012

تحقيق حديث: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق), "منكر".


تحقيق حديث: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق), "منكر".

رواه ابو داوود والبيهقي من طريق محمد بن خالد عن معرف بن واصل عن محارب بن دثار عن عبدالله بن عمر مرفوعا.
ورواه ابن ماجه من طريق محمد بن خالد عن عبيدالله بن الوليد الوصافي عن محارب بن دثار به.
_قلت:محمد بن خالد رواه مرة عن معرف ومرة عن عبيدالله ومرة عن كليهما كما عند ابن عدي في الكامل
ولكن رواه ابو داوود قال حدثنا أحمد بن يونس عن معرف عن محارب مرسلا
وتابعه وكيع عن معرف به عند ابن أبي شيبة
وتابعه يحيى بن بكير عن معرف مرسلا
أي أن ثلاثة من الحفاظ المتقنين (أحمد بن يونس و وكيع ويحيى بن بكير)
تابعوا محمد بن خالد ولم يرفعوه والحمل فيه عليه وكأنه سمعه من عبيدالله مرفوعا وعبيدالله متروك الحديث والعلة كلها منه فحدث به مرفوعا, وتابعه عليه عيسى بن يونس _وهو ثقة_ عن عبيدالله مرفوعا
و كأنه سمعه من معرف مرسلا ولكنها اختلطت عليه فرفعهما جميعا
وجملة القول أن الرفع ليس بشيء والإرسال أصح لموافقته الحفاظ ,
-ولكن روى الحديث الحاكم من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن أحمد بن يونس عن معرف عن محارب عن ابن عمر مرفوعا وصححه على شرط الشيخين –والذهبي على شرط مسلم ولكن محمد بن عثمان مختلف فيه فقد ضعفه الذهبي نفسه وكذبه عبدالله بن أحمد ووثقه صالح جزرة.
أقول : هو والله أعلم قد أخطأ في رفعه لأن أبا داوود صاحب السنن قد تابعه عن أحمد بن عيسى مرسلا وأبو داوود حافظ كبير وقد خالفه به والقول قوله و الله أعلم,
-وبالجملة المرسل هو الأصح و الرفع ليس بشيء فلا يجوز نسبته إلى النبي _عليه الصلاة و السلام _.
_وله شاهد وهو (ما خلق الله شيئ على وجه الأرض أبغض إليه من الطلاق).
رواه عبدالرزاق والدارقطني والبيهقي كلهم من طريق حميد بن مالك عن مكحول عن معاذ _رضي الله عنه_ مرفوعا .
وله علتان:
1_حميد بن مالك هو اللخمي: ضعفه يحيى بن معين، وأبو زرعة وأبو حاتم.
وقال النسائي: لا أعلم روى عنه غير إسماعيل ابن عياش.
يعني مجهول,
2_ومكحول لم يلق معاذا ...
فالحديث واهي ولا يصلح شاهدا.
_وقد جاء عند الدارقطني (..عن عمر بن ابراهيم بن خالد عن حميد بن مالك عن مكحول عن مالك بن يخامر عن معاذ_رضي الله عنه_بلفظ: ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق فمن طلق واستثنى فله ثنياه).
وهذا موضوع _عمر هذا كذاب وضاع_وهو الذي أدرج مالك بين مكحول ومعاذ لأن رواية عبدالرزاق والحسن بن عرفة والحسن بن شعيب مرسلة ...وبالجملة لو لم يكن في الإسناد إلا حميد بن مالك لرد الحديث وما صلح شاهدا.
_شاهد آخر:
جاء عند الديلمي من طريق مقاتل بن سليمان عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، مرفوعا: (ما أحل الله حلالا أحب إليه من النكاح، ولا أحل حلالا أكره إليه من الطلاق).
وهذا موضوع أيضا لأن مقاتل هذا هو المفسر "لا شيئ البتة " كما قال البخاري في الكبير وقال في موضع آخر "سكتوا عنه" وقال مرة"منكر الحديث" وكذبه وكيع وقال السعدي "كان دجالا جسورا" وقال أبو زكريا: "ليس بشئ" وله قصة كلب أهل الكهف.
_وهذا اللفظ رواه أيضا ابن عساكر من طريق جعفر بن محمد، حدثنا شجاع بن أشرس حدثنا الربيع بن بدر، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن ابن عباس مرفوعا.
وهذا الإسناد غريب غريب , ولعل الربيع هو من ركب هذا الإسناد المشهور ولو كان موجودا بهذه السلسلة لبلغ الآفاق,
والربيع بن بدر هو عليلة وهو متروك الحديث,
فقد قال يحيى بن معين الربيع بن بدر ليس بشيء, وقال أبو حاتم والنسائي والدارقطني متروك الحديث ,وقال أبو داوود لا يكتب حديثه,وقال ابن حبان يروي عن الثقات المقلوبات وعن الضعفاء الموضوعات
وضعفه الذهبي والعراقي وابن حجر وغيرهم.
_شاهد آخر:
روى عبدالرزاق عن ليث عن أبي عبيدة بن عبد الله قال لا أدري ارفعه أم لا قال: "ما أحل الله حلالا أكره إليه من الطلاق......."
وهذا إسناد ضعيف مرسل ,ليث هو ابن أبي سليم ضعيف ,وأبي عبيدة تابعي .

كتبه أبو عبدالله الأثري
 

قال أبو داود في سننه 
  حدثنا كثير بن عبيد ثنا محمد بن خالد عن معرف بن واصل عن
 محارب بن دثار عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال 
أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق  
سنن أبي داود / تحقيق الشيخ الألباني/  كتاب :  الطلاق تفريع أبواب
 الطلاق/ باب : في كراهية الطلاق  / حديث رقم : 2178 / 
التحقيق : ضعيف
مكتبة الشيخ الألباني الإلكترونية


السبت، 17 مارس 2012

شرح دعاء اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل...




شرح دعاء: "اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل..."
خطبة جمعة بتاريخ / 14-5-1423 هـ

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليماً كثيرا .
أما بعد أيها المؤمنون عباد الله : أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ، فإن تقوى الله جلّ وعلا هي خير زادٍ يبلِّغ إلى رضوان الله ، وهي وصية الله للأولين والآخرين من خلقه ، وهي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ، وهي وصية السلف الصالح فيما بينهم .
ثم اعلموا - رحمكم الله - أن الدعاء مفتاح كل خيرٍ في الدنيا والآخرة ، وأتمُّ الدعوات وأكملها وأجمعها لأبواب الخير وسبل الفلاح دعوات النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ؛ فإنها مشتملةٌ على غاية المطالب العلية ونهاية المقاصد الرفيعة ، ومن يتأمل أدعية النبي الكريم صلى الله عليه وسلم المطلقة والمقيدة يجدها كذلك ، ولهذا - عباد الله - جدير بعبد الله المؤمن أن يتعرف على أدعية النبي صلى الله عليه وسلم وأن يحفظها وأن يحافظ عليها لينال خيرها وبركتها وثمارها العظيمة في الدنيا والآخرة .
عباد الله : وفي هذه الوقفة نتأمل في دعاءٍ عظيم ثابتٍ عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كان يقوله صلى الله عليه وسلم في كل مرة يخرج فيها من بيته ؛ روى أهل السنن الأربعة وغيرهم عن أم المؤمنين أم سلمة هند المخزومية زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها أنها قالت : ((مَا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْتِي قَطُّ إِلَّا رَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ : اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ ، أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ ، أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ ، أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ )) .
عباد الله : هذا دعاءٌ عظيم كان يواظب عليه نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم في كل مرة يخرج فيها من بيته كما هو واضح في كلام أم المؤمنين رضي الله عنها .
وقولها : ((إِلَّا رَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ)) ؛ في هذا الإيمان بعلو الله جلّ وعلا ورفعته على خلقه جلّ وعلا ، وأنه مستوٍ على عرشه بائن من خلقه ، وفي هذا أيضاً - عباد الله - مراقبة الله جلّ وعلا واستحضار اطلاعه ورؤيته لعباده ، وأنه لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السّماء ، وكم هو جميل في العبد المؤمن أن يستحضر في كل مرةٍ يخرج منها من بيته رؤية الله له واطلاعه عليه وعلمه بحاله وأنه لا تخفى عنه خافية ؛ وكل هذا مستفاد من رفع الطَّرْف إلى السماء فإن في هذا استحضارٌ لرؤية الله جلّ وعلا .
ثم - عباد الله - إن من يخرج من بيته لا بد له من الاحتكاك بالناس ومعاشرتهم والخلطة بهم ، والناس أصناف عديدة : منهم المحسنُ ، ومنهم المسيء ، ومنهم ما بين ذلك ؛ ولهذا من يخرج إلى الناس ويحتك بهم ويخالطهم لابد وأن تسبب هذه المخالطة والمعاشرة أنواعاً من الأمور أو المخالفات التي ينبغي عليه أن يحذرها وأن يحذر من الوقوع فيها ، وقد جمعها النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الدعاء العظيم الجامع .
عباد الله : إن المسلم في كل مرة يخرج فيها من بيته ينبغي عليه أن يستحضر هذه المعان الأربعة الواردة في هذا الحديث العظيم ، وأن يحذرها غاية الحذر ، وأن يسأل الله جلّ وعلا أن يعيذه منها ((اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ ، أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ ، أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ ، أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ )) ، في كل مرة تخرج فيها من بيتك ينبغي أن تحذر من الوقوع في شيء من هذه الأمور الأربعة : الضلال ، والزلل ، والظلم ، والجهل ؛ وكلها خطيرة وموبقة ومهلكة للعبد إذا وقع في شيء منها ، وهي قد تقع من العبد تجاه الآخرين ، وقد تقع من الآخرين تجاهه ، وقد اشتمل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على الاستعاذة من هذه الأمور الأربعة سواءً في وقوعها من العبد تجاه الآخرين ، أو في وقوعها من الآخرين تجاهه .
وقوله عليه الصلاة والسلام : ((اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ)) فيه سؤال الله جلّ وعلا أن يجنِّبه الضلال وهو ضد الهداية ، سواءً أن يضل بنفسه بأن يوقعها في شيء من الذنوب أو أنواعٍ من المخالفات ، أو يُضلَّ غيره من عباد الله المؤمنين ، وقوله (( أو أُضَلَّ )) أي أن يضلني غيري ، فقد يخرج الإنسان من بيته آمناً مطمئنا لا يريد شراً ولا يطلب غواية فيلقاه أحد المضلِّين في طريقه فيُضلُّه عن سواء السبيل ويصرفه عن الجادة السَّوية ، ولهذا سُنَّ للمسلم إذا خرج من بيته أن يستعيذ بالله من أن يضل هو في نفسه ، أو يُضل غيره ، أو أن يُضلَّه غيره عن سواء السبيل .
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ)) ؛ الزلل : هو السقوط والهوي من حيث لا يشعر الإنسان ، والمراد بقوله : " اللهم إني أعوذ بك أن أزل " أي أن أقع في الذنب أو الإثم أو المخالفة من حيث لا أشعر ، وقوله :   "أو أُزَلَّ" : أي أن يفعل بي أحد ذلك ؛ بأن يوقعني في الزلل ويوقعني في التهلكة .
وقوله في هذا الدعاء : ((أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ)) ؛ الظلم - عباد الله - : وضع الأمور في غير مواضعها ؛ بالاعتداء على الناس في أموالهم أو أشخاصهم أو أعراضهم أو غير ذلك . وقوله " أن أَظلِم" : أي أن يقع مني الظلم تجاه الآخرين سواءً في أموالهم أو أعراضهم أو أشخاصهم أو غير ذلك . وقوله " أو أُظلَم" : أي أن يتعدى عليَّ أحد من الناس بأي نوع من أنواع الظلم ؛ فهو يسأل لله جلّ وعلا أن يجنبه ظلم الآخرين وأن يجنبه ظلم الآخرين له، فلا يظلِم أحدا ولا يظلمه أحد .
وقوله في هذا الدعاء: ((أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ)) أي أن أفعل مع الناس فعل الجهلاء وطريقة السفهاء من السب والسخرية والاستهزاء وغير ذلك ، أو أن يفعل معي أحدٌ شيئا من ذلك ؛ فهو يتعوذ بالله من أن يَفعَل فعل الجهلاء أو أن يُفعَل به فعل الجهلاء .
فهذا - عباد الله - دعاءٌ عظيم كان يقوله نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم في كل مرة يخرج فيها من بيته ، فعلينا - عباد الله - أن نقتدي بنبينا الكريم عليه الصلاة والسلام وأن نترسَّم خطاه وأن نسير على نهجه ؛ فإنه خير النهج وأتم الهدى .
عباد الله : وعندما يدعو المسلم بهذا الدعاء العظيم عليه أن يبذل الأسباب العظيمة التي يتحقق بها نيل المقصود وتحقيق المراد ؛ فأنت إذا قلت هذه الكلمات فإنك بذلك تكون قد دعوت الله ، واستعنت به ، والتجأت إليه، وفوضت أمرك إليه سبحانه ، ثم يجب عليك بعد ذلك أن تبذل الأسباب بأن تبتعد عن هذه الأمور وأن تحذر غاية الحذر من الوقوع فيها . وإنا لنسأل الله جلّ وعلا أن يعيذنا وإياكم من الضلال ، اللهم إنا نعوذ بك أن نَضِل أو نُضَل أو نزِلَّ أو نُزَلَّ أو نظلِم أو نظلَم أو نجهَل أو يُجهل علينا إنك سميع مجيب . هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية :
الحمد لله عظيم الإحسان ، واسع الفضل والجود والامتنان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليماً كثيرا .
أما بعد عباد الله : اتقوا الله تعالى وراقبوه في السر والعلانية مراقبة من يعلم أن ربه يسمعه ويراه .
ثم اعلموا – عباد الله - أن مخالطة الناس والاحتكاك بهم تولِّد أنواعاً من الأمور التي ينبغي على العبد أن يكون في حيطة من الوقوع فيها ، وذلك - عبادَ الله - إنما يكون بمراقبة الله والالتجاء إليه والاعتماد عليه وحده وتفويض الأمور إليه سبحانه ، ولهذا ثبت في حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد من يخرج من منزله أن يقول : ((بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ )) ، وبيَّن عليه الصلاة والسلام أن من قال ذلك فإنه يُهدَى ويُكفَى ويُوقَى ولم يقرَبْهُ شيطان .
عباد الله : وهذه الكلمات كُلَّها توكلٌ على الله واعتمادٌ عليه وتفويضٌ للأمور إليه سبحانه وتعالى ، وهذا - عباد الله - فيه دلالة على أن العبد لا غنى له عن ربِّه طرفة عين في كل شأن من شؤونه وفي كل أمر من أموره . فنسأل الله جلّ وعلا أن يجعلنا وإياكم من المتوكِّلين عليه حقا ، من المؤمنين به صدقا ، من المستعيذين به في كل أمر صغير أو كبير إنه تبارك وتعالى خير مسؤول وأعظم مأمول جلّ وعلا.
ثم عباد الله : اعلموا أن الله تبارك وتعالى أمركم بالصلاة والسلام على نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم فقال جلّ وعلا : )إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً( [الأحزاب:56] ، وقال صلى الله عليه وسلم : ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا)) .
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد . وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .
اللهمّ أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، اللهم انصر من نصر الدين ، اللهم انصر إخواننا المسلمين في كل مكان ، اللهم انصرهم في فلسطين وفي كل مكان ، اللهم انصرهم نصراً مؤزرا ، اللهم أيِّدهم بتأييدك واحفظهم بحفظك يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم وعليك باليهود الغاصبين المجرمين المعتدين فإنهم لا يُعجزونك ، اللهم مَزِّقْهم شر ممزق ، اللهم ألق الرعب في قلوبهم وشتت شملهم وخالف كلمتهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام .
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى ، وأعنه على البر والتقوى ، وسدده في أقواله وأعماله ، وألبسه ثوب الصحة والعافية . اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك واتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، واجعلهم رأفةً ورحمة على عبادك المؤمنين .
اللهم آت نفوسنا تقواها زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها ، اللهم اغفر لنا ذنبنا كله دقه وجله أوله وآخره سره وعلنه ، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا أنت المقدم والمؤخر لا إله إلا أنت . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادةً لنا في كلِّ خير والموت راحةً لنا من كل شر . اللهم أصلح ذات بيننا وألِّف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام وأخرجنا من الظلمات إلى النور ، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقواتنا وأزواجنا وأموالنا وذرياتنا واجعلنا مباركين أينما كنا . اللهم اجعلنا شاكرين لنعمك مقرِّين لك بها مستعملين لها في طاعتك يا حي يا قيوم ، ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
عباد الله : اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه وآلائه يزدكم ، ) وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ( .

الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر